وعزّ الشرق أوّله دمشق

الأربعاء، 26 يوليو 2017

جميل حتمل: صلابة الهشاشة

 
جميل حتمل (1956ــ1994)، القاصّ والصحافي والناشط السوري الذي مرّت، قبل أيام، الذكرى العشرون لرحيله؛ عُرف ككاتب قصة قصيرة أوّلاً، وكمراسل ثقافي لـ"القدس العربي" وعدد من الصحف والدوريات العربية، وكمشارك دؤوب في الملتقيات والمؤتمرات الأدبية العربية، إلى جانب شخصيته اليسارية والديمقراطية ومواقفه المعارضة للنظام السوري.
ولعلّ إنصاف الراحل يبرر استعادة حكاية شخصية كنتُ طرفها الثاني، وهذه الصحيفة موضوعها. ففي باريس، أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، سألني حتمل عن إمكانية الكتابة للصفحات الثقافية في صحيفة عربية جديدة تصدر من لندن، وهو مراسلها المعتمد. "هي صحيفة تقدمية، وفلسطينية، وفقيرة لا تقارَن بغيرها من المطبوعات العربية التي تصدر في أوروبا، ولا توزّع في باريس لاعتبارات سياسية ومالية"، قال حتمل، قبل أن يضيف باستحياء: "ولهذا فإنها لا تدفع مكافآت لكتّابها". كان الاقتراح عرضاً "نضالياً"، على نحو ما، يحاكي الراتب الرمزي، "النضالي" بدوره، الذي كان حتمل يتقاضاه من "القدس العربي"؛ وبالتالي لم يكن في وسعي أن أكون أقلّ "نضالية"، فوافقت بلا تردد!  
 ما لا يُعرف، على نطاق واسع، في المقابل، هو ذلك المزيج من التعمق النقدي والجسارة الأخلاقية، الذي تميزت به تغطيات حتمل الثقافية، ومراجعاته المنتظمة لعشرات الإصدارات الجديدة. على سبيل المثال الأوّل، حين كتب عن "الروائيون"، رواية الأردني غالب هلسا، التقط خيطاً تحليلياً ثاقباً، كان أيضاً جسوراً في تلك الحقبة، صيف 1990: المفارقة في جميع روايات هلسا أنها لا تدور حول الموت، بأشكال شتى، فقط؛ بل تروي عن الروائي نفسه، هلسا، طبقاً لتفاصيل كثيرة في سيرته الشخصية. وحين اتُهم الشاعر المصري الراحل محمد عفيفي مطر بـ"التخابر" مع نظام صدّام حسين، رفض حتمل أن يكون مطر "كبش فداء" وحيداً بالنيابة عن لائحة طويلة، فاستعرض أسماءها دون حرج: أحمد عباس صالح، أمير اسكندر، أحمد عبد المعطي حجازي، جمال الغيطاني، يوسف القعيد...
وقبل رحيله، وأثناء نوبة مرض عنيفة أقعدته مشفى "كوشان" الباريسي طيلة عشرة أيام، تكسرت فيها نصال ونصال على الجسد الهزيل والروح ذات الشقوق الغائرة الفاغرة؛ كتب حتمل ثماني قصص قصيرة للغاية، أطلق عليها تسمية عامة: أنها مجموعة قصص المرض وقصص الجنون. وأمّا المرض فقد كان أوضح من أن تضيق عنه العبارة، وأما "الجنون" فقد كان ذروة ارتقاء حتمل إلى الإحساس بالحدث، وتحسّس الفعل، وحساسية القول. وهذا طراز خاصّ في الرقيّ الشعوري، يجمع أقصى الهشاشة العاطفية بأقصى الصلابة العقلية، ويقيم توازناً نادراً بين ضرورتين: الشجاعة والبكاء.
كان جميل يبكي وهو يستعرض مجريات اتفاق "غزة ـ أريحا أولاً"، وكان طازجاً آنذاك. نعم... كان يبكي! ويبكي حين يتذكّر، أو يتعمّد استذكار، الشاعر العراقي ابراهيم الزاير، الذي انتحر منفياً في بيروت مطلع السبعينيات؛ "ربما أيضاً لأنّ الشيوعية لم (لن!) تتحقق"، كما كتب في قصته الرقيقة المريرة "كلاش"! وكان يبكي لأنه ظلّ يبحث، مع المسرحي الإيطالي لويجي بيرانديللو، عن ستّ شخصيات ضائعة؛ ويبحث، ولكن مع قلبه هو هذه المرّة، عن المرأة التي يحبّ: أمام محطة المترو، في سيارة السائق السيريلانكي، أمام مقرّ عملها، في الضوء والظلام، وفي اليقظة والهلوسة...
كان يبكي في السرّ وفي العلن، في الرمز أو بغيره، وحين تلين المآقي أو حين تتصلّب وتجفّ. بكاء خارجي معلَن، وآخر داخلي مكتوم، وموضوعات البكاء وافرة كثيرة، وبؤرة البكاء واحدة موحّدة بكيمياء ما يعتمل في الداخل من صراعات وتنازعات. وكان ذلك البكاء، الفريد في مبناه ومعناه كما أجيز لنفسي القول، هو عنصر الاستذكار الأبرز الذي انتابني حين وقفت، مع نفر متواضع من أصدقاء حتمل، في الساحة الضيّقة الباهتة، أمام مشرحة مشفى كوشان الباريسي، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على راحل سيسافر بعد قليل إلى وطنه سوريا... موسّداً في كفن.
هل كان البكاء إشارة حتمل، الأكثر اختزالاً وكثافة، لما تبقّى لنا من عدّة وزاد، في منافٍ لم نخترها ولم تخترنا، لا نحن نحبّها ـ كما أزعم، شخصياً ـ ولا هي تطيق وجودنا النشاز؟ أيكون السبب أنّ بكاء الواحد قد ينوب أحياناً عن المجموع، لأنه ينقلب إلى مستوى في الرثاء الجمعي ليس في وسع الجميع بلوغه، على نحو منتظم شامل؟
وإذا لم تكن هذه هي الحال، فما العلاقة بين العراقي ابراهيم الزاير والإيطالي لويجي بيرانديللو، في القاع الأعمق من تيه مواطن سوري يدعى جميل حتمل؟
9/11/2014

دينوكا بريفا... تعالي إلى كوباني!


المحنة الكبرى التي يعيشها أشقاؤنا الكرد في كوباني ـ تحت وطأة ثلاثية الأطراف، على الأقلّ: "داعش" الإرهابية، وتواطؤ نظام بشار الأسد الذي لا يقلّ إرهاباً، وصمت قوى إقليمية ودولية ـ تشدّني، عاطفياً وجمالياً وتاريخياً، إلى قصيدة بعينها من الشاعر الكردي السوري الكبير سليم بركات: "دينوكا بريفا، تعالي إلى طعنة هادئة". وكانت هذه القصيدة قد نُشرت للمرّة الأولى في مجلة "مواقف"، سنة 1972، فطرحت اسم بركات بقوّة، واخترقت موانع الكتابة الشعرية العربية في قلب بيروت، عاصمة الحداثات العربية، وكرّست الشاعر ناطقاً بليغاً (بفصحى جبّارة غير مألوفة!) باسم الموضوع الكردي، في التاريخ والجغرافيا والحكاية والأسطورة.
ولعلّي أسارع إلى اقتباس المقطع الاستهلالي الأخاذ، والصاعق في ما يستهلّ من مناخ، وما يقترح من معجم: "عندما تنحدر قطعان الذئاب من الشمال وهي تجرّ مؤخراتها فوق الثلج وتعوي فتشتعل الحظائر المقفلة، وحناجر الكلاب، أسمع حشرجة دينوكا. في حقول البطيخ الأحمر، المحيطة بالقرية، كانت السماء تتناثر كاشفة عن فراغ مسقوف بخيوط العناكب وقبعات الدرك، حيث تخرج دينوكا عارية تسوق قطيعاً من بنات آوى إلى جهة أخرى خالية من الشظايا". درك تلك الأيام يمكن أن يمثّلهم، اليوم، أيّ صنف من المسلحين الذين يستهدفون الكرد في كوباني، أو في أية بقعة معاصرة تقطنها أغلبية كردية؛ بصرف النظر عن هويتها العسكرية أو العقائدية، وما إذا كانت إرهابية معلَنة أم مبطنة.
مقطع آخر يسير هكذا: "دينوكا. ماذا أقول للصيّادين الذين يضعون سروجاً فوق ظهور الكلاب السلوقية في سفح سنجار وجبال عبد العزيز؟ أنت مختبئة في مكان ما، ربما في زريبة، تشمّين التراب ومزاود النعاج. كبيرة أنت، بليلةٌ، مسكونة بالحصاد وبي. أسمع والدك يصيح: دينوكا.. أسمع والدتك تصيح: 'دينوكا، احملي خبز الشعير هذا إلى المهاجرين وقولي أن يستريحوا قليلاً'". والمكان هنا، سنجار أو جبل عبد العزيز، ألا تتردد علائمه في مِحَن راهنة، عاشها الكرد أو الإيزيديون أو سواهم، تحت وطأة "داعش" أو شبيحة النظام أو مسلّحي الميليشيات من كلّ طراز ومنبت وغرض؟ "أنت تجهلين كيف يمتليء الأخدود بين عامودا وموسيسانا بجثث البغال والأعضاء المبتورة. تجهلين من أين يحصل البدو على بنادق فرنسية، ولماذا ينتفخون على تخوم القرى حين يهجمون عاصبين رؤوسهم بعباءاتهم"؛ يتابع بركات، وكأنه ـ مع تبديل طفيف في المسميات، ليس أكثر ـ يصف الحال المعاصرة.
والحال أنّ القصيدة تُحكم شدّ الروابط بين الحكاية والفانتازيا، وبين الوقائع المادّية ومحفوراتها السرّية في باطن الوعي؛ بين التجسيدات البدئية لما يجرى على سطح المحاكاة الطبيعية، والتصوير البصري التشكيلي الآسر؛ وبين المكان بوصفه أكثر من مجرّد كيان جغرافي معرّف أو قابل للتعريف، وبين المكان ذاته بوصفه موقع التنقيب عن الاستعارة المفتوحة. وثمة مستويات مركبة، وحاشدة ثرّة، تتقلّب فيها حكايات البشر (من الكرد والبداة والآشوريين والشركس...)، وحكايات الحيوان (الذئاب والنعاج والكلاب السلوقية وبنات آوى...)، وحكايات الطير (الكركي، الزرزور، الحجل...)، وحكايات النبات (السرخس، الخزامى، العنّاب...)؛ هذه التي تأتلف، مراراً، لتشكّل حكاية واحدة فسيحة لأسطورة تنفجر بعنف، في اللغة وخارجها، وفي الصورة وأعلى منها، وفي الإيقاع المنتظم والإيقاع المتفتّت.
ثمة أهمية أخرى خاصة لهذه القصيدة، هي أنها تسجّل أيضاً أوّل أمثلة استخدام بركات للنثر في قصيدة تواصل الاعتماد على التفعيلة والقافية (كما في هذا المثال: "أخرجُ من أعرافي ودياري جندياً من جند الوثنيين/ وأخرج مرتزقاً بالنحل إلى أزهار الغرباءْ/ فليكنِ الموت إذن ملءَ تراباتي/ وليكنِ النهرُ رسول الإعدام، أواكبه حتى مسجد آبائي بالأنباءْ")؛ وإنْ كانت تلجأ أيضاً إلى "تذويب" السطر الشعري المستقلّ عن طريق إدخاله في مقاطع تدويرية طويلة. هنا تبدو الخصائص الموسيقية، الكامنة على نحو موروث في اللغة الطبيعية، وكأنها تتشكّل وتُستنطق على أفضل وجوهها إذا عملت جنباً إلى جنب مع بعض أنواع المعنى (ولا سيّما المعنى الأسطوري) لتحقيق الاستقطاب الشعري. علاقة كهذه هي، في حقيقتها، خلخلة أو إعادة صناعة للشيفرة أو جملة الشيفرات التي تحملها المفردة المستقلة، والتي تزيغ أو تغتني أو تنفجر عند تواشجها مع مفردة ثانية.
دينوكا... تعالي إلى كوباني، إذاً، بعد بريفا؛ فثمة هنا أكثر من طعنة دامية، إذْ يخرج الكرد "من جهة العراء" هنا، إلى جهات العراء جمعاء، حيث الجهات ليست البتة خالية من الشظايا.
12/10/2014

البغدادي وسافونارولا.. الموصل وفلورنسا


 
مسألة فيها نظر، ولهذا فإنها استطراداً إشكالية قابلة للسجال، تلك المقارنة بين أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش" و"خليفة" آخر زمان، في مدينة الموصل العراقية؛ وجيرولامو سافونارولا، الراهب الطهوري المتشدد الذي عيّن نفسه دكتاتوراً أخلاقياً على مدينة فلورنسا الإيطالية، ابتداءً من 1494 وحتى 1498، حين أُعدم حرقاً، بمباركة صريحة من البابا ألكسندر السادس. المقارنة عقدها، مؤخراً، الأكاديمي العراقي ـ الأمريكي إبراهيم المراشي، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ، بجامعة كاليفورنيا الحكومية.
جدير بالذكر أنّ المراشي هو صاحب مقالة شهيرة بعنوان "شبكة الاستخبارات والأمن في العراق: دليل وتحليل"، نُشرت بالإنكليزية في أيلول (سبتمبر) 2002، حين كان مؤلفها طالباً في جامعة أكسفورد االبريطانية. أمّا شهرة المقالة فقد صنعتها فضيحة كبرى مزدوجة: أولاً، رغم أنّ معلومات المراشي، في المقالة، كانت قديمة، عمرها 12 سنة، وبعضها صار مغلوطاً؛ فإنّ حكومة توني بلير سرقت منها ستّ فقرات كاملة، بالحرف، وبالأخطاء اللغوية، وضمتها إلى التقرير البريطاني/الفضيحة، حول أسلحة الدمار الشامل العراقية؛ وثانياً، كانت الفقرات الستّ هي ذاتها، بالحرف، أمثلة كولن باول، وزير خارجية أمريكا يومذاك، في امتداح التقرير، والاتكاء عليه، خلال الخطبة أمام مجلس الأمن الدولي، مطلع 2003.
وفي العودة إلى المقارنة، يرى المراشي أنّ الموصل 2014، تحت سلطة البغدادي؛ هي بمثابة فلورنسا 1494، تحت سلطة سافونارولا: "كلاهما رأى منطقته نواة لدولة بدئية طهورية، واستخدما جيوش الشوارع لتطهير المدينتين من الآثام، ومن الفنّ والعمارة بوصفهما وثنية، وحرّما السلوك الذي عّدّ غير أخلاقي. وكلاهما خلقا أعداء أقوياء، واستُنكرا من زعماء تعرّض احتكارهم الديني للتحدّي، سواء البابا ألكسندر السادس من آل بورجيا، أو ملك السعودية خادم الحرمين الشريفين"، يكتب المراشي في مقالة بعنوان "حرب أوباما ومتغيّر الموصل"، نشرها مؤخراً الموقع الإنكليزي لقناة "الجزيرة".
الفارق، من جانب آخر، بين البغدادي وسافونارولا، حسب المراشي؛ هو أنّ الأخير، على نقيض الأوّل، لم يكن يسيطر على قوّة عسكرية منضبطة، اختُبرت في المعارك، ودبّت الرعب في المناطق التي بسطت نفوذها عليها، بل أبعد منها أيضاً. والافكار اللاحقة في المقالة لا تعني هذه السطور، ضمن خطّ مناقشة المقارنة إياها، لأنّ المراشي يناقش ردود أفعال الموصليين إزاء وجود "داعش" في المدينة، مقارنة مع أجهزة نوري المالكي الأمنية والعسكرية، وما إذا كانت الحال ستتبدل عند استئناف الضربات الجوية الأمريكية على نطاق أوسع، ضمن ستراتيجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجديدة.
والحال أنّ مقارنات من هذا الطراز، بين مجتمعات متباينة وأزمنة متباعدة وثقافات غير متطابقة في الحدود الدنيا، يمكن أن تسفر عن مزالق كثيرة، ومحاسن أقلّ بكثير من المساوىء. وهذه الأخيرة قد يكون بعضها منهجياً وتاريخياً، يتسبب في أضعف الأضرار أثراً؛ ولكن قد يكون بعضها سياسياً وثقافياً، وهنا فإنّ مظاهر التباين والتباعد وانعدام التطابق تتخذ صفات أخرى أدهى: كأنْ تعبّد الطرق، المتعرجة غالباً، نحو أنساق من الصدامات، "الحضارية" و"الدينية" و"القومية"... فعلية او متخيَّلة، بالغة الأذى في الظروف الهادئة، شبه الطبيعية، فكيف حين تكون الأجواء مدلهمة وصاخبة وعاصفة!
وهكذا، فإنّ ما تغفله مقارنة المراشي، ولعله أحد أهم الجوانب إذا أجاز المرء أيّ تناظر بين البغدادي وسافونارولا؛ هو أنّ عقائد الاثنين وممارساتهما في التحريم والتحليل كانت، رغم نهوضها على مبدأ مناهضة الأنظمة السياسية والسلطات الدينية، تؤدي خدمة ضمنية للحاكم في علاقته بالمحكوم: آل بورجيا، في أزمنة فلورنسا، وإيطاليا القرن الخامس عشر عموماً؛ وآل الأسد والمالكي في سوريا والعراق، مطالع القرن الحادي والعشرين. كان سافونارولا يجوب شوارع المدينة منذراً بخراب العالم ودنوّ الساعة: "تعساً لكم، يا نسل الأبالسة! لسوف يأتي يوم لا يتبقى فيه عدد من الأحياء يكفي لدفن الموتى!"؛ كان يهتف، وفرائص المؤمنين البسطاء ترتعد ذعراً. أمّا آل بورجيا، فقد كانوا يتابعون مباذلهم في قصور روما واروقة الفاتيكان، فهم الأكثر سعادة بالعتمة الثقيلة التي يفرضها هذا المناخ على عقول وأبصار المؤمنين.
ولعلّ من حقّ المرء أن يقارن هكذا، أيضاً: كما كانت "دولة" سافونارولا الطهورية مقدّمة ضرورية لانطلاق الإصلاح في إيطاليا، كذلك فإنّ ظلمات "خلافة" البغدادي يمكن أن تكون عتبة ضرورية أمام الأنوار التي وعدت بها الانتفاضات الشعبية العربية. ولعلنا، إزاء الحال الراهنة، نرى أنفسنا في حلكة الليل، ولكنّ الفجر هو وحده الطالع!
14/9/2014
 

خفايا البصر وكنوز الدلالة

مفردة Sei اليابانية تُلفظ بطريقة موحدة، ولكنها في أبجدية الـ"كانجي" تأخذ 28 هيئة حروفية، وتفيد سلسلة متشعبة ومتنوعة، ومتناقضة أحياناً، من المعاني: النجم/ الصوت، الازرق، الجنس، الطاقة، الموت، الخيانة، السكينة، الطهارة... والمصوّرة الفوتوغرافية اليابانية يوريكو تاكاغي عكفت على هذا "الكنز" الدلالي، لتتوغل في المعاني، ثمّ في الظلال والإيحاءات والتداعيات، التي يمكن أن تعطيها تنويعات الـSei في 28 من براعم الزهور. ثمة بتلات مخططة، وأخرى مطوية، وثالثة منحنية، ورابعة منكمشة، وخامسة شاخصة... أهذه، حسب تاكاغي، أزهار حقاً؛ أم عناصر مختلفة لحوائج الحياة اليومية؟
هذه إجابات بصرية، أمّا قرائنها في الجانب الدلالي، فقد عُهد باستكشافها إلى الأرجنتيني ـ الكندي ألبرتو مانغويل، مؤلف الكتاب المدهش الشهير "تاريخ القراءة"، فأسفر العمل المشترك عن كتاب جميل، في الشكل كما في المحتوى، صدر مؤخراً في 80 صفحة. التجربة ـ على طرافتها، حتى بالمعنى الطباعي الصرف ـ تنتقل بالحوار القديم بين الصورة والمعنى، أو بين الرسم والدلالة حسب المعطيات الحروفية في أبجدية الـ"كانجي"، نحو طور جديد تعبيري وإبداعي. والاعتبار الأوّل، هنا، يتمثل في أنّ تاكاغي لا تبتدع عنصراً مادياً طارئاً على التكوين المورفولوجي لبراعم الزهور؛ بل تترك للعدسة أن تستنطق حيوات أخرى كامنة في الطبيعة الصامتة ذاتها، ولعلها روح العناصر وقد مكثت دفينة وخافية.
وأمّا مانغويل، فإنه يمارس هوايته الأثيرة في الميدان الذي برع فيه على الدوام: الذهاب أبعد وأعمق، ثمّ أطرف وأغرب، من المستويات المتعارف عليها لمفاهيم القراءة، فضلاً عن وظائفها وأنواعها وطرائقها. المرء يتذكر، هنا، كتابه الثاني الشهير، "قارىء حول القراءة"، الذي يبدأ من سيرة طفولته الأولى، حين أُهدي كتاب "أليس في بلاد العجائب"؛ ليمرّ على تجارب شتى في القراءات، ونماذج متنوّعة من السرد والشعر والمسرح؛ فلا ينتهي به المطاف عند منافع قراءة، وإعادة قراءة، أمثال هوميروس ودانتي وشكسبير وفريد الدين العطار وسيرفانتس وإميلي دكنسون وجيمس جويس وبورخيس وصمويل بيكيت وهارولد بنتر ومحمود درويش، وسواهم، في لائحة مختاراته.
لكنّ القراءة، عند مانغويل، فضاء أرضي أيضاً، وصِلات وثيقة بين النصّ والمكان؛ إلى درجة أنّ بقعة ما، يمكن أن تفقد تسميتها الجغرافية لصالح كاتب ارتبط بها، وارتبطت به، على نحو أو آخر. وهكذا، تصبح مدينة أوريغون كناية عن أرسولا لوغوين، الكاتبة الأمريكية نجمة ستينيات القرن الماضي؛ وبراغ هي غوستاف ميرينك، الكاتب النمساوي الذي سكن فيها 20 سنة واستوحى مناخاتها في أبرز أعماله؛ وفينيسيا هي معشوقة الروائي الأمريكي هنري جيمس، حيث أنجز "صورة سيدة"، وامتدح المدينة في سلسلة مقالات أخاذة؛ والجزائر هي رشيد بوجدرة، الروائي الجزائري الكبير، صاحب "الحلزون العنيد" و"ألف عام وعام من الحنين"...
وفي ربيع 2001 أتيحت لي بهجة الاستماع إلى مانغويل مباشرة، في المكتبة الأمريكية، في باريس؛ يحاضر عن كتابه الأحدث آنذاك: "قراءة الصورة: تاريخ الحبّ والكراهية". وذاك عمل، مثل هذا الكتاب الجديد المشترك مع تاكاغي، يسعى إلى إنصاف الذائقة البصرية للمشاهد العادي، الذي يهوى الفنون التشكيلية وأعمال النحت والفوتوغراف والعمارة، ولكنه مضطرّ للخضوع لبعض أنماط "الاستبداد" التي تفرضها رطانة النقد ونظريات فلسفة الفنون. والكتاب يتضمن قراءات تنقّب عميقاً في باطن الصورة، أو المنحوتة أو النصب التذكاري، لكي تستخلص خطوط الترميز بوصفها حكاية، أو غياباً، أو أحجية، أو شاهداً، أو استيعاباً، أو انعكاساً، أو عنفاً، أو تهديماً، أو فلسفة، أو ذاكرة، أو مسرحاً...
ولا تفوتني، ختاماً، وقفة عند كتاب ثالث من مانغويل، لا يقلّ إدهاشاً وطرافة وجدّة في آن معاً، هو "مفكرة قراءة: تأملات قارىء شغوف حول سنة من الكتب". هنا، كما قد يوحي العنوان، يدوّن مانغويل وقائع قراءاته طيلة سنة كاملة، يوماً بيوم تقريباً، وأحياناً وقت الصباح والظهيرة والعشية والليل، ولكن ليس على النحو الطبيعي الذي قد يخطر على بالنا جميعاً: إنه لا يدوّن مذكرات حول ما قرأ أو يقرأ، بل حول نمط محدّد فريد واستثنائي من القراءة: ما المغزى الراهن الذي يحمله عمل كلاسيكي ما، كُتب قبل مئات السنين؟ في إطار عامّ، وكوني أوّلاً؛ ثمّ في نطاق يخصّ البلد الذي ينتمي إليه ذلك العمل، تحديداً؟
وما هَمّ أن تتفاقم أهواء التأويل وتقلبات المغزى، ما دامت القراءة تتيح إبصار الخفاء وامتلاك كنوز الدلالة!
7/9/2014

غيفارا: أي ريح تهزّ الجبل؟

نايجل كوثورن كاتب أنغلو ـ أمريكي، صاحب رقم قياسي في التأليف: أكثر من 150 كتاباً، بين سيرة وتحقيق وتأريخ وسرد، يأخذ معظمها صفة السلاسل. هنالك، مثلاً، سلسلة "الحياة الجنسية"، للبابوات، ورؤساء أمريكا، وكبار الدكتاتوريين، وكبار الفنانين، وكبار الموسيقيين، ومشاهير المثليين، ومشاهير المثليات، وأباطرة روما، ونجوم هوليود؛ وأيضاً، سلسلة "تاريخ موجز"، لأمثال روبن هود، جيمس بوند، شرلوك هولمز، وأغاثا كريستي... ولأنّ مؤلفاته تعتمد على الإثارة والإبهار، والتغريد (النشاز، عن سابق عمد وتصميم) خارج السرب؛ فإنّ كوثورن "كاتب حسب الطلب"، كما يقرّ بنفسه، ولا مشكلة عنده البتة في أن يؤلف كتاباً بناء على رغبة هذا الناشر أو تلك الجهة.
أحدث صرعاته كتاب بعنوان "شي غيفارا: الفاتح الأخير"، تبدأ السطور الأولى في مقدّمته من الإقرار التالي: "مثل الكثيرين من الطلاب خلال أعوام الستينيات، اعتقدت أنّ شي غيفارا كان إلهاً في إهاب بشر، وكان مثالياً قاتل دفاعاً عن المضطهدين، من أجل الحرية والعدالة والتحرر". أمّا الآن، وفي هذا الكتاب، فإنّ شي غيفارا صار مجرماً، قاتلاً، مهووساً، عنصرياً، يكره السود وهنود أمريكا، ويغدر برفاقه ويقتلهم في الظهر؛ وكان ستالينياً، وشيوعياً متشدداً، وتقرّب من خوان بيرون دكتاتور الأرجنتين، وحرّض السوفييت على توجيه ضربة صاروخية ضدّ أمريكا خلال الأزمة الشهيرة، وفي الآن ذاته فتح أقنية خلفية مع الرئيس الأمريكي كنيدي، وشعب الكونغو يعاني حتى الآن من مغامرته الطائشة، والحزب الشيوعي البوليفي لم يرغب بمجيئه إلى البلد، أسوة بجميع الأحزاب الشيوعية في البلدان المجاورة. وباختصار، قولاً واحداً عند كوثورن: "منطلقاً من حافز العداء المتطرف لأمريكا، كان غيفارا بمثابة أسامة بن لادن الستينيات"!
بادىء ذي بدء، من حقّ كوثورن، أو سواه، التنقيب، والنبش حتى الأغوار الأعمق، في ما خفي من تفاصيل حياة أية شخصية عامة، فكيف برجل مثل شي غيفارا انقلب حقاً إلى أيقونة كونية، عابرة للحدود والحساسيات والثقافات والأجيال. ولكن من واجب هذا الطراز في التأليف، التأريخي التنقيبي، وبادىء ذي بدء أيضاً، أن يتحلى بالحدود الدنيا من الرصانة والنزاهة والموضوعية والإنصاف؛ وتلك ـ لدى قراءة الفصل الأول، فقط، من كتاب كوثورن، وعنوانه "موت أيقونة" ـ ليست خصال المؤلف، ولا تأليفه. العكس هو الصحيح، في الواقع، وعن سابق عمد وتصميم هنا أيضاً، إذْ كيف يكون التغريد خارج السرب، الغيفاري إذا جاز القول، دون النبش بطريقة التهشيم والتخريب، ذات اليمين وذات الشمال!
شي غيفارا كان آدمياً، وخطّاءً بالتالي، وبالضرورة؛ وربما كان قسط الخطأ البشري مرتفعاً عنده، هو بالذات، قياساً على الحياة الثورية التي عاشها، وتقلّبات الأزمنة والسياقات والجغرافيات، ثمّ السياسات والعقائد والذهنيات والشخوص، التي توجّب عليه مواجهتها، ومجابهتها. غير أنّ هذا كلّه لا يفضي به إلى الصورة الأحادية، البغيضة والمنفرة والكريهة، التي سعى كوثورن إلى حصره فيها؛ على نقيض ـ متعمد دائماً، ومقصود ومتخابث وحاقد ـ من الصور الكثيرة التي تبدّى فيها شي غيفارا، وما يزال يتبدى بعد 47 سنة أعقبت اغتياله في أحراش بوليفيا.
إنه أسطورة حيّة لا يلوح أنّ الكثير من الوهن قد أصابها، على صعيد الحنين الرومانتيكي إلى حقبة حافلة من كفاح الشعوب ضد الإمبريالية إجمالاً، والإمبريالية الأمريكية بصفة خاصة. واللافت أن الأسطورة تتواصل، بل تكبر وتترسخ أكثر، في ذروة الصعود الأمريكي ـ الإمبريالي وانكسار "حركات التحرّر"، أو اندحارها عملياً علي الأرض. وقد يصحّ القول إنّ أصل الحكاية الغيفارية يضرب بجذوره في فكرة الأسطورة ذاتها، وما دام الرجل "أسطورة"، أو يكاد؛ فلماذا ننتظر من الأسطورة أن تندثر خلال أقلّ من خمسة عقود، وهي حقبة زمنية قصيرة تماماً في حساب أعمار الأساطير؟
ومع ذلك فإن مشروعية السؤال تتكيء على حقيقة واحدة كبرى، إذا عزّت الحقائق الأخرى الأقلّ شأناً: أننا اليوم في زمن اندثار الرومانتيكية، سواء أكانت سياسية ثورية أم أخلاقية عاطفية؛ والعولمة الطاحنة الدائرة على قدم وساق لا تترك كبير هامش لاستعادة الأحلام المنكسرة، حين يكون الهشيم هو سيّد المشهد. فكيف تحتفظ أسطورة رومانتيكية بكلّ هذا الألق والبهاء والدلالة والحيوية، في غمرة الاندحار والانكسار والاندثار؟
سؤال قد يشجّع على قراءة كتاب كوثورن، من أبواب شتى؛ بينها، في نظري شخصياً، هذا الباب: التيقّن من أنّ الجبل لا تهزّه ريح!
30/8/2014

موتيفات محمود درويش


 
في سنة 2012 نشر الباحث والأكاديمي الفلسطيني حسين حمزة، من مجمع اللغة العربية في حيفا، ورئيس قسم اللغة العربية في كلية دار المعلمين هناك؛ عملاً فريداً في طرازه التأليفي، وبالغ الفائدة لقارىء محمود درويش (1941ـ2008)، الذي مرّت ذكرى رحيله السادسة يوم التاسع من آب (أغسطس) الجاري. وأعترف، في امتنان عميق للصديق حمزة، وعرفان بالجميل أيضاً، أنني ـ ومنذ أن تكرّم بإهدائي نسخة من كتابه، سنة صدوره ـ لم أتوقف عن العودة إلى فصوله وأقسامه؛ ليس لأنني أظلّ بحاجة ماسة إلى فوائد الكتاب العميمة، فحسب؛ بل، كذلك، وأساساً، لأنّ تقليب صفحاته كان متعة في ذاتها، معرفياً وجمالياً.
الكتاب عنوانه "معجم الموتيفات المركزية في شعر محمود درويش"، ومقاربته تنطلق من أنّ تجربة درويش الشعرية ترتكز على "محاور أساسية تنعكس في المكان، التاريخ، الأسطورة، الدين، الأدب والرموز الذاتية، التي أبدعها لتصبح دالّة عليه وعلى معجمه الشعري"؛ كما يقول حمزة. المنهجية بسيطة، وذات فاعلية عالية في الآن ذاته: اعتبار أوّل، عماده الحضور الكمّي للرمز والموتيف (وهذا، في يقيني، يشمل الموضوع، والموضوعة، والغرض...)، بصرف النظر عن تبدّل الدلالات بين قصيدة وأخرى؛ واعتبار ثانٍ، ينهض على الحضور النوعي، الأمر الذي يساعد أيضاً على تلمّس سيرورات التطوّر في تجربة درويش.
والجداول التي يستخلصها حمزة في الكتاب تفيد بأنّ موتيف الموت هو الأكثر حضوراً في جميع مراحل درويش الشعرية، ضمن ارتباط مع موضوعات أخرى مثل الشهيد والمنفى والاغتراب؛ ولهذا فإنّ دلالته تغيّرت عند درويش: "من تمجيد له في مراحله الأولى، إلى تصوير مأساة الموت الجماعي، ومن ثمّ إلى محاورة الموت في المطوّلة الجدارية، وتحميل موتيف الموت دلالات إنسانية وكونية". الأكثر تكراراً، بعد هذا ـ وعلى امتداد المجموعات، من "عصافير بلا أجنحة"، 1960؛ إلى "لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي"، 2009 ـ هي موتيفات الأرض، والاسم، والبحر، والذاكرة. وهنالك، بالطبع، موتيفات تكررت في مرحلة، ثمّ غابت عن مرحلة لاحقة، وأخال شخصياً أنّ بعضها انتقل بالمفردة الأمّ إلى نطاقات تعبيرية أرحب، وأعقد، وأكثر ثراءً.
والحال أنّ دراسة الجداول هذه، في الاعتبارين الكمّي والنوعي، توفّر معطيات دراسية ثمينة، كما تثير أسئلة نقدية شائكة لا تبدو بديهية إلا للوهلة الأولى. على سبيل المثال، ما الذي يجعل موتيف "القدس" يغيب، نهائياً، عن مجموعات درويش الخمس الأولى، طيلة عقد كامل بين 1960 و1970؛ ثمّ يظهر، بقوّة (12 مرّة!)، في مجموعة "أحبّك أو لا أحبّك"، 1972؟ ولماذا، في مثال ثانٍ، يحضر موتيف "القصيدة" في جميع مجموعات درويش، باستثناء "محاولة رقم 7"، 1973، و"أعراس"، 1977؛ رغم أنّ المجموعتين اتصفتا بنزوعات تجريبية طاغية، حول فنّ الشعر تحديداً؟ أو، في مثال ثالث، لماذا غاب موتيف "بيروت" عن المجموعات التسع الأولى، ثمّ ظهر في المجموعات الخمس اللاحقة (1977 وحتى 1986)، وعاد فغاب نهائياً حتى رحيل درويش؟
تلك أسئلة لا يطرحها حمزة في كتابه، بالطبع، لأنها ليست من وظائف المعجم كما شاء تصميمه؛ وللقارىء، أسوة بالدارس، أن يستنبط خلاصاته الشخصية، على نحو حرّ، وذاتي أيضاً، بادىء ذي بدء؛ ومتحرّر من المسلّمات المسبقة، والأحكام القطعية، ثانياً؛ وتفاعلي مع النصّ، وإبداعي في فهم الإحصائية، ثالثاً. هنالك، إلى هذه المستويات الثلاثة، حقّ إغناء المعجم بموتيفات أخرى كثيرة لم يُدرجها المعجم؛ لأسباب شتى لا صلة لها بتواني المؤلف عن الخوض فيها، وإنما لأنّ النصّ الدرويشي عباب عظيم زاخر، حمّال الكثير الكثير من العناصر والعلاقات والدلالات والرموز. فإذا كان حمزة قد صنّف موتيفات الحمام والسنونو والهدهد، فهل هذا يجحف بالدوري والحسون والغراب؛ وبالمثل، هل يطمس أنهار النيل والفرات وبردى، ومدن بغداد وعدن ودمشق...؟
وليسمح لي الصديق حمزة أن أختم هذه التحية، في ذكرى صديقنا الكبير الراحل، بواحدة من دمشقياته الأحبّ إلى نفسي؛ هذه القصيدة/ الموشح، التي لا أجد حرجاً في القول إنّ دمعات ترقرقت في عينيّ درويش حين تلاها للمرّة الأولى، وكانت محض مسوّدة يومئذ، سنة 1993، في بيته الباريسي: "أمرّ باسمكِ إذْ أخلو إلى نَفَسي/ كما يمرّ دمشقيّ بأندلسِ/ هنا أضاء لك الليمونُ ملحَ دمي/ وههنا وقعت ريحٌ عن الفرس/ أمرّ باسمك، لا جيشٌ يحاصرني/ ولا بلادٌ، كإني آخر الحرس/ أو شاعر يتمشى في هواجسه".   
10/8/2014