وفي الردّ على سؤال ثانٍ، حول علاقة "حزب الله" بالثورة الإسلامية في إيران، يقول نصر الله: "هذه العلاقة، أيها الأخوة، بالنسبة لنا أنا واحد من هؤلاء الناس الذين يعملون في مسيرة 'حزب الله'، وفي أجهزته العاملة، لا أبقى لحظة واحدة في أجهزته لو لم يكن لديّ يقين وقطع في أنّ هذه الأجهزة تتصل، عبر مراتب، إلى الولي الفقيه القائد المبريء للذمة الملزم قراره. بالنسبة لنا هذا أمر مقطوع ومُطْمَأن به. التصريحات الدبلوماسية والسياسية ليست هي الأساس في هذا المجال، يعني ليس طبيعياً أن يقف آية الله كروبي ويقول نعم 'حزب الله' هنن جماعتنا في لبنان. سياسياً هيدا مش صحيح، إعلامياً مش صحيح. على مستوى العلاقة العضوية والجوهرية مع قيادة الثورة الإسلامية في إيران وولاية الفقيه، هذه المسألة بالنسبة لنا أمر مقطوع به، وهذه المسيرة إنما ننتمي إليها ونضحي فيها ونعرّض أنفسنا للخطر لأننا واثقون ومطمئنون بأنّ هذا الدم يجري في مجرى ولاية الفقيه".
سؤال ثالث، يستفسر عن التالي: "مَن أعلم بالحالة السياسية ومتطلباتها في لبنان"، فيجيب نصر الله، بنبرة جازمة وعصبية، بعد أن يلقي بورقة السائل على الطاولة أمامه: "الأعلم هو الإمام الخميني! لماذا؟ لأنني سابقاً ذكرت بأنّ الحالة السياسية في لبنان ليست حالة معزولة عن حالة المنطقة. هي جزء من حالة الصراع في الأمّة، هي جزء من وضع الأمّة، فكما أنّ إمام الأمّة يعرف هذا الجزء، يعرف هذا الجزء (...) الإمام الذي يخطط، هو يخطط للأمّة. المجتهدون تأتي أدوارهم في كلّ بلد، مكمّل [كذا] لخطّ الإمام، ولمشروع الأمّة الإسلامية الواحد. فلا يجوز أن نجزيء صراع الأمّة مع أعدائها، ما دام الأعداء يخوضون صراعاً واحداً مع الأمّة، فيجب أن يكون [كذا] إدارة الأمّة في صراعها واحدة، وهي من خلال الإمام".
ولقد استجازت السطور السابقة اقتباس ثلاث إجابات من حديث نصر الله، لأنها إنما تردّ حاضر أفكار الأمين العام لـ"حزب الله" إلى ماضي تلك الأفكار، حين كان أحد الكوادر الشابة الطالعة، والمبشّر الأبرز بخطّ التشدد في العلاقة "الجوهرية" و"العضوية" مع الوليّ الفقيه، ومشروع "دولة صاحب الزمان". هذا فضلاً عن اعتماد خطاب مزدوج بصدد تلك العلاقة، ومشروع الحزب في لبنان: أوّل، للإعلام والسياسة، يتفادى تبيان ارتباط الحزب بالوليّ الفقيه؛ وخطاب ثانٍ، داخلي وعقائدي، يؤكد أنّ العلاقة "أمر مقطوع ومُطْمَأن به". وفي خطاب الأخير جدد نصر الله التشديد على تلك الأفكار، بعد طول غياب في الواقع، على خلفية تدخّل "حزب الله" العسكري في بلدة القصير السورية، واعتبارها "جبهة" من جبهات الحزب، وله ستُعقد راية النصر فيها: "نحن أهل ورجال معركة القصير وصنّاع انتصاراتها"!
والحال أنّ المرء يحتاج إلى قرابة ثلاثة عقود خلت لكي يقع على نظير لهذه البرهة من تطابق المصالح، وربما المصائر أيضاً، بين النظام السوري وإيران/ "حزب الله"؛ وذلك في سنة 1984 حين زار علي خامنئي دمشق (وكان، يومذاك، رئيساً لإيران)، على رأس وفد عُدّ الأرفع منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وتلك مناسبة دشّنت إخضاع "حزب الله" لمقتضيات المصالح المشتركة للنظام السوري وإيران في لبنان، إذْ قام العقيد شيرازي، قائد الجيش الإيراني آنذاك، بزيارة خاطفة إلى البقاع، فأبلغ قيادة الحزب بضرورة الامتثال التامّ لسياسات سلطات النظام السوري على امتداد الأراضي اللبنانية. الفارق، بين أمس واليوم، هو أنّ حافظ الأسد ظلّ يلاعب طهران دون أن يسمح لها بالتوغل، أكثر ممّا ينبغي، في ملاعبه؛ وكان يحظر، بشدّة، أي تبشير شيعي داخل طوائف سورية المسلمة، وخاصة الطائفة العلوية، لأنه رأى في التشيّع خطراً مباشراً يمسّ أحد التوازنات الاجتماعية ـ السياسية الحساسة التي أقام عليها سلطة "الحركة التصحيحية".
امتياز نصر الله، على سابقيه من قادة "حزب الله"، أنه عاصر أسدَين، الأب والوريث؛ وتعامل مع سياستَين، التصلّب والارتخاء؛ فضلاً عن أنّ الأب لم يواجه انتفاضة شعبية عارمة، كهذه التي تعصف اليوم بنظام الابن. ولهذا فإنّ تدخّل "حزب الله" في القصير ليس غزواً لسورية، وحرباً ضدّ شعبها، فحسب؛ بل هو صفعة جديدة مزدوجة، لـ"الحركة التصحيحية" أسوة بجيش النظام (الموعود بانتصار يصنعه له الغزاة)، تأتي هذه المرّة من... مقاتلي الوليّ الفقيه!