وعزّ الشرق أوّله دمشق

الاثنين، 29 يوليو 2013

متى كانت مصر عنصرية؟

حين اشتدّ التضييق على الفلسطينيين والسوريين في مطارات مصر، مؤخراً، بعد انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي، استعدتُ ـ في تعليق قصير، على "تويتر" ـ تلك المقارنة المريرة التي عقدها الشاعر الفلسطيني الراحل راشد حسين (1936ـ1977)، سنة 1972، جرّاء تجربة مضنية مع رجال الأمن في مطار القاهرة: "واقف كلّي مذلّة/ في مطار القاهرة/ ليتني كنتُ حبيساً/ في سجون الناصرة". وبالطبع، لم يكن المقام يسمح باستعادة شطر الحكاية الثاني، أي تعقيب محمود درويش عليها، في قصيدة "كان ما سوف يكون"، مرثية راشد حسين تحديداً: "والتقينا بعد عام في مطار القاهرة/ قال لي بعد ثلاثين دقيقة/ ليتني كنت طليقاً/ في سجون الناصرة".

وكان ارتفاع منسوب الخطاب التأثيمي ضدّ الفلسطينيين والسوريين، في عدد من وسائل الإعلام والفضائيات المصرية، يحيل إلى وقائع مثل تلك، ويذكّر بها أوّلاً؛ ثمّ يوحي، استطراداً، بنقائضها: أن يكون الفلسطيني طليقاً أكثر في سجون الناصرة الإسرائيلية، ويكون السوري أفضل كرامة في معتقلات النظام السوري. العزاء الأوّل، والكبير، هو أنّ مصر ظلّت ـ حتى ساعة انقلاب الإجراءات الأمنية في المطارات والموانىء، رأساً على عقب كما يتوجب القول ـ حاضنة سخية وحانية لكلّ السوريين الذين قصدوها، تماماً كما تقول الآية الكريمة/ لافتة الترحيب المصرية الأشهر: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".

عزاء آخر، أقلّ شأناً ولكنه ليس أوهن مغزى، كانت تختصره حقيقة أنّ غالبية الإعلاميين الذين مدّوا ألسنة البذاءة القصوى ضدّ الفلسطينيين والسوريين، كانوا من "فلول" نظام حسني مبارك الإعلامي، الذي سقط دون أن ينقرض تماماً: واحد تلتقطه أشرطة فيديو وهو يقبّل يد صفوت الشريف، أحد تماسيح الفساد والإفساد الأشرس في العهد البائد؛ وأخرى تتوسل إلى مبارك، على الهواء مباشرة، كي يوقّع لها على ورقة نقدية من فئة مئة جنيه؛ وثالث كان، وما يزال حتى الساعة، موظفاً بأجر معلوم لدى تمساح فساد آخر، فرّ إلى بريطانيا بعد أن اختلس ونهب وارتشى حتى أوقع خزينة الدولة في خسائر بالمليارات...

ورغم أنّ تعقيد المشهد الداخلي الراهن في مصر، على أصعدة وطنية وسياسية واجتماعية وعسكرية وأمنية شتى، يبيح التماس بعض العذر للبعض؛ إلا أنّ انتقال خطاب التأثيم إياه إلى صفوف بعض ممثّلي التيارات اليسارية والقومية والليبرالية أمر لا يدعو إلى خيبة الأمل، بعد الاستغراب الشديد، فحسب؛ بل يثير القلق البالغ، على حاضر مصر العظيمة ومستقبلها الآتي، في المقام الأوّل. ومن العجيب أن يجد المرء، لدى هؤلاء بصفة خاصة، قدرة مذهلة على المزج بين أقصيَيْن متناقضَيْن: حسّ الإشفاق على المهاجر السوري، لاعتبارات إنسانية صرفة بالطبع؛ ونزعة تأثيم الانتفاضة السورية، بأسرها ودون تمييز أو تمحيص، اتكاء على وجود تيّارات إسلامية داخل صفوفها!

مجموعات أخرى وجدت في كراهية الفلسطينيين والسوريين فرصة سانحة لابتذال، أو بالأحرى: إعادة ابتذال ـ مقولة أطلقها في عام 1908 المفكّر المصري الكبير أحمد لطفي السيد؛ وتبدو اليوم، على بساطتها، إشكالية تماماً، وليست البتة محطّ إجماع. وكان السيد (تلميذ الإمام محمد عبده، أسوة بالعَلَم المصري الثاني طه حسين؛ وأحد كبار المفكرين الليبراليين والعلمانيين خلال ما اصطُلح على تسميته "عصر النهضة"، والرجل الذي كان رائداً في إدارة الحياة الجامعية المصرية، فاستحقّ بجدارة لقب "أستاذ الجيل")، قد أعلن أنّ "مصر للمصريين". وتلك مقولة كانت تملك بعض الضرورة آنذاك، بدليل ما قاله السيد في تبرير إطلاقها: "إنّ من بيننا مَنْ لا ينفكّ يفخر بانتسابه للعرب الأولين، كأنما انتسابه إلى الجنس المصري نقص وعيب، كما أنّ منّا مَن يفضّل الرابطة الدينية على رابطة الجنسية الوطنية، فإنْ لم نذهب عنّا هذا التحلل نمت أسبابه وفشت نتائجه وتعذّر علينا أن نوسّع دائرة المشابهات وتضييق دائرة الفروق".

غير أنّ للأمر وجوهه الأخرى، التي يمكن أن تكون أكثر من خلافية، لأنها قد تقود المقولة إلى دروب بغيضة تماماً، فتنتهي إلى ذلك المنزلق العنصري الذي لا مفرّ منه أمام كلّ فكر اصطفائي شوفيني. والمرء، هنا، يعود بالذاكرة إلى أواخر العام 2003، حين سعى المحامي المصري الراحل محسن لطفي السيد إلى إحياء مقولة عمّه، فدعا إلى تأسيس حزب جديد باسم "مصر الأمّ"، كانت هذه بعض ركائزه: تدريس العامية المصرية (بوصفها اللغة الرسمية للدولة، وليس العربية)؛ إطلاق صفة "الغزو" على الفتح الإسلامي لمصر، واعتباره السبب في "خسارة قِيَم مصرية كثيرة"، مثل الزراعة والحياة المدينية والتقويم الشمسي والتعددية الفكرية والدينية؛ وأخيراً، وضع "القومية العربية الغازية" في حال من الصراع مع "القومية المصرية".

وفي زحام الشدّ والجذب داخل ميادين مصر، يبقى سؤال مركزي فاصل: متى كانت مصر عنصرية؟ ومتى كان بعض أبنائها على هذه الدرجة من الاستعداد لمقاومة الظلام والجاهلية والاستبداد، وكذلك تأثيم الآخر والغريب والمهاجر... في آن معاً؟ ألا يعود هؤلاء ـ في هذه السنة بالذات، الذكرى العشرين لرحيل جمال حمدان المأساوي، المترع بالرموز ـ إلى كتاباته المعمقة حول شخصية مصر الفريدة، ومكانتها الحضارية والتاريخية العظمى؟ وكيف، بعدئذ وقبلئذ، يقف الفلسطيني والسوري على أبواب مصر... وكلّه مذلّة؟  

الاثنين، 22 يوليو 2013

صاروخ اللاذقية وبرميل سراقب

نهار الجمعة الماضي (وهذا اليوم اختير، دون سواه، عن سابق عمد وتصميم، أغلب الظنّ)، قامت مروحيات النظام السوري بإلقاء 23 برميلاً متفجراً على مدينة سراقب، الواقعة جنوب شرق إدلب؛ كما نفّذت القاذفات 14 غارة جوية على الأقلّ، وقعت آخرها لحظة أذان المغرب بالضبط، أي عند موعد إفطار الصائمين (وهذا، بدوره، ليس توقيتاً عشوائياً كما يجوز للمرء أن يفكّر). البرميل المتفجر يحتوي خلائط من الموادّ الناسفة، وقضبان حديد البناء المقطّعة إلى أجزاء قصيرة، يُراد منها أن تتحوّل إلى طلقات خارقة متقدة، أشدّ فتكاً من الذخائر النارية الكلاسيكية. وأمّا ما ألقته القاذفات، فإنه يبدأ من القنابل العنقودية، ولا ينتهي عند تلك الانشطارية، فضلاً عن هذا أو ذاك من صنوف الأسلحة الكيمائية.

قبل الغارات، كانت غوّاصة "دولفين" إسرائيلية (طبقاً لرواية "صنداي تايمز" البريطانية، على الأقلّ) قد نفّذت هجمة صاروخية على مستودعات أسلحة قرب مدينة اللاذقية، على الساحل السوري، تأوي صواريخ مضادة للسفن من طراز "ياخونت P-800" روسية الصنع، تسلّمها النظام مؤخراً. وكما جرت العادة في مناسبات كثيرة مماثلة، طيلة سنوات وعقود، التزم النظام السوري صمت القبور؛ فلم تسكت المدافع المضادة والصواريخ بعيدة المدى، وتبقى المقاتلات جاثمة على الأرض، فحسب؛ بل أصابت أجهزة النظام الإعلامية، ذاتها، حال من الصمم والبكم والعمى، في التعليق على الواقعة!

وبين العدوان الإسرائيلي على اللاذقية، والعدوان الأسدي على سراقب، كان الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، قد أطلّ مجدداً على اللبنانيين (وعلى السوريين، كما يتوجب القول)، فألقى خطاباً "تميّز بالهدوء"، كما وصفته الجهات المقرّبة من الحزب. وإلى جانب الشؤون اللبنانية ـ اللبنانية، شدّد نصر الله على أنّ
"المقاومة التي حققت الانتصارات في 1982 وفي 2000 وفي 2006 استطاعت أن تحطّم مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومن الطبيعي أن تتعرّض للاستهداف"؛ و"عندما لا تكون هذه المقاومة في دائرة الاستهداف، فهذا يعني أنها غير فاعلة ولا يحسب لها العدو حساباً".

لكن نصر الله تفادى تقديم أيّ إيضاح، في الحدود الدنيا الأبسط، حول حقيقة بسيطة مفادها أنّ هذه "المقاومة" لم تتعرّض إلى أي "استهداف" منذ حرب 2006؛ إلا إذا صُنّفت هكذا حركة الشيخ أحمد الأسير، في صيدا؛ ومثلها تفجير الضاحية الأخير، أو حتى... مقتل إعلامي النظام السوري، محمد ضرار جمو، بتدبير من زوجته، كما تشير التقارير! كذلك أحجم الأمين العامّ لـ"حزب الله" عن تبيان ردّ فعل هذه "المقاومة"، الآن أو في المستقبل، على سلسلة الغارات الإسرائيلية التي تكاثرت في الآونة الأخيرة، ولم تكن تستهدف إضعاف النظام السوري في ذاته، بقدر ما أصابت مخازن أسلحة كانت أصلاً معدّة للإرسال إلى "حزب الله"، وتلك "المقاومة".

وقبل يوم من المجزرة السراقبية (تفاوتت أعمار الشهداء، من عائلة الفياض وحدها، بين إيمان 27 سنة، وغزوة 24 ، ورهام 4 سنوات)؛ استقبل ولي العهد السعودي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، في جدّة، ثلة من قيادات "الائتلاف الوطني السوري". وإذا كان التقاطر إلى السعودية أمراً مألوفاً لأمثال أحمد عاصي الجربا ومحمد فاروق طيفور وسالم المسلط، فإنّ لهاث "ديمقراطيين" و"علمانيين" و"ماركسيين و"ليبراليين" ـ من أمثال برهان غليون وميشيل كيلو وجورج صبرا وكمال اللبواني ـ للحاق بالركب، كان نذيراً جديداً بائساً على خواتيم هذا الطراز الرثّ من "معارضة" لا تكفّ عن إضافة الإهانة على جراح سورية.

ولأنّ المصائب لا تأتي فرادى، غالباً، كانت سراقب تواصل طرازاً إضافياً من العسف والتعسف، تمارسه هذه المرّة أنماط أخرى من "المعارضة"، ترفع راية "المحاكم الشرعية"، وتزيّف الشريعة الإسلامية أو تكيّفها على أهواء قادتها، فقهاء الظلام ليس أقلّ، وليس أكثر أيضاً. ولقد جُلد رجال من أبناء سراقب بتُهم سخيفة، جاهلية وعمياء ومنحطة، في شروط تمثّل بدورها إهانة وطنية قصوى للسوريين (كما في التعامي عن آلام معركة القصير، واختيار هذا التوقيت لجلد رجل زوّج ابنته وهي في "عدّة الطلاق")؛ وفي شروط إنسانية فاضحة تماماً، حتى بأي معنى "شرعي" (كأن يقوم بالجلد رجل ملثّم، بعد تلاوة قصاصة كُتب عليها حكم "المحكمة الشرعية").

حيطان سراقب، في المقابل، كانت تواصل التعبير عن روح المدينة الأصيل، فتحمل كتابات نبيلة بليغة، تمتدح الحياة والبقاء والمقاومة، وتستلهم الشعر أسوة بالسياسة، والأخلاق الثورية قبل الشعائر الجوفاء: "كلّما حاصرنا الموت احترفنا الحياة"، يقول حائط أوّل؛ أو: "ذهب الذين تحبهم، ذهبوا/ فإمّا أن تكون، أو لا تكون"؛ أو: "سوف تنتهي الحرب يوماً وأعود إلى قصيدتي"؛ أو: " قلْ لمَنْ يجمعون القمامة... شكراً"؛ أو: "شغّلْ ضميرك... ما رح تخسر شي!". هذا عدا عن تدوين تاريخ، شبه يومي، لأطوار انتقال سراقب من استبداد النظام، إلى استبداد بعض فئات "المعارضة"، ليس دون اكتساب المزيد من ثقافة الملحمة المفتوحة.

وهذه ثقافة عميقة، شعبية ومتأصلة، تتيح الحزن إزاء صمت مدافع اللاذقية تارة، وتضميد جراح البرميل المتفجر طوراً، والضحك من موبقات بعض "المعارضة" مرّة، ومتابعة البقاء على قيد الحياة.. في أيّ طور، وفي كلّ حين.    

الاثنين، 15 يوليو 2013

كيمياء عبد الباري عطوان

 "القدس العربي" ليست مجرّد صحيفة يومية، رغم أنها كذلك في تسعة أعشار المعايير المهنية المتفق عليها؛ وهي ليست محض منبر استثنائي، من حيث استقبال موشور تعددي من الآراء، خاصة تلك التي تدافع عن صنف "القضايا الخاسرة" غالباً؛ كما أنها أكثر من حاضنة لمعارضات عربية يتيمة، أو ميتّمة بالأحرى، لأنّ الصحيفة لم تكن تتحزّب حتى في ذروة انحيازاتها المعلَنة. "القدس العربي" ظاهرة، إعلامية وأخلاقية وسلوكية، بسبب من هذه الاعتبارات أوّلاً، في تقديري الشخصي؛ ولأنّ حصيلة كهذه اقتضت سلسلة من المواجهات والعواصف ومعارك البقاء، استولدت بدورها اعتبارات أخرى.

صنّاع البدايات الأبكر في هذه الصحيفة/ الظاهرة كانوا حفنة رجال ونساء، أقلّ من قبضة اليد الواحدة كما أجيز لنفسي القول؛ بعضهم ظهر في الواجهة على الفور، لأنّ مهامّه كانت تقتضي ذلك، وبعضهم الآخر بقي في موقع الجندي المجهول، لأنّ واجباته في الإنتاج استوجبت هذا الطراز من المشاركة. على رأس الفريق كان عبد الباري عطوان، رئيس التحرير منذ الانطلاقة الأولى، في نيسان (أبريل) 1989، وحتى 9 تموز (يوليو) الماضي؛ حين توجّب أن يستقيل، أو بالأحرى يُجبر على الاستقالة، افتداءً لاستمرار مؤسسة (متواضعة تماماً من حيث الإمكانيات المالية، ولكنها مع ذلك تعيل قرابة 50 أسرة)، وأملاً في مواصلة زخم الظاهرة.

ولعلّ الأيام سوف تتكفل بإزالة التحفظ ـ الاخلاقي أوّلاً، والسياسي ثانياً، وربما القانوني المحض ثالثاً ـ الذي أجبر عطوان على الامتناع عن ذكر ملابسات استقالته؛ الأمر الذي لا ينفي، البتة، حقّ كلّ مَن تعاون معه، رئيس تحرير أو زميلاً أو صديقاً، في برهة وفاء لرجل ظلّ عنوان "القدس العربي" الأوّل؛ في منعطفات حاسمة كانت كفيلة بقلب تلك المعادلات، رأساً على عقب ربما. تلك الحال، السجالية بامتياز، كانت تسري على خطّ الصحيفة، بالمقارنة مع صحف ومنابر إعلامية عربية أخرى؛ وتنطبق على ذلك الخطّ كما تباين داخل الصحيفة ذاتها، بين رأي ورأي آخر، واتجاه ونقيضه.

ولعلّ الموقف من الانتفاضة السورية كان آخر تجليات ذلك السجال الداخلي، وأشدّها قدرة على الاستقطاب والفرز الحادّ إلى أسود أو أبيض، وبين أكثرها إسهاماً في إساءة الفهم لدى شرائح واسعة من قرّاء الصحيفة. افتتاحيات رئيس التحرير، بصفة خاصة، كانت المصدر الأبرز للتجاذب حول الملفّ السوري، وهذا أمر طبيعي تماماً، بالنظر إلى شعبية عطوان العارمة، أوّلاً؛ ولأنّ آراءه كانت، كذلك، تتوافق مع أمزجة قرّاء كثر، وليس البتة في المستوى "الشعبوي" الذي يتذرع به خصوم الرجل عادة، كلما شاؤوا التقليل من موقعه الشعبي المكين.

بيد أنّ هذا كلّه لم يكن سوى التطوّر، الأحدث عهداً، في "كيمياء" عتيقة حكمت على الدوام علاقة عطوان بقارئه، أو أحرى بي القول: جمهوره: أنه معارض شرس للسياسات الأمريكية، أينما كانت؛ ومناهض للتدخل الأجنبي، العسكري بصفة خاصة، في حياة الشعوب؛ ومنحاز للقضايا الخاسرة، حتى إذا انطوت تنميطاتها الشائعة على مجازفات قصوى؛ وملتزم بتسمية الأشياء بمسمياتها، كأن يكون الانقلاب انقلاباً، أوّلاً، قبل أن تُنسب له أية تسمية أخرى...

ومن جانبي، كمواطن سوري أكتب في "القدس العربي" منذ 1990، كنت أقيم المعادلة السورية في خطّ الصحيفة التحريري على ثلاثة اعتبارات، أقرّ بأنها صمدت بدرجة من الاستقرار كانت عالية، وليست نسبية. الاعتبار الأوّل هو أنّ هذه الصحيفة هي المنبر الإعلامي العربي الوحيد ـ وأشدّد على المفردة، مجدداً: الوحيد ـ الذي فتح أعمدته، على وسعها، لنقد نظام حافظ الأسد، ثمّ وريثه بشار الأسد؛ حين كانت الغالبية الساحقة من الصحف والفضائيات في واحدة من منزلتين: إمّا ساكتة، كلياً، عن جرائم النظام المتعددة، داخلياً وعربياً وإقليمياً؛ أو مطبّلة له ومزمّرة، حاملة مباخر لشخوصه، من الأسد الأب إلى ابنه، هبوطاً إلى زبانيته.

الاعتبار الثاني هو أنّ حجم الآراء المناهضة للنظام في الصحيفة، خاصة بعد انطلاق الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011، كان طاغياً بقوّة، ولا يتناسب أبداً مع حجم الآراء الموالية. أكثر من هذا، كان كتّاب الفئة الثانية لا يعلنون، أو لعلهم لم يتجاسروا على إبداء، أية صيغة مباشرة للموالاة؛ بل هم يقنّعون آراءهم بأقنعة الدفاع عن حسن نصر الله و"المقاومة" و"الممانعة"، أو مناهضة التدخل الخارجي في سورية... وكأنّ أساطيل أمريكا والحلف الأطلسي تحاصر الشواطىء السورية!

الاعتبار الثالث يخصّ تلك "الكيمياء" التي استخدمها رئيس التحرير، نفسه، في افتتاحياته عن الانتفاضة السورية: كان يصعب على سوريّ مثلي، أنا الذي أعارض نظام آل الأسد على صفحات "القدس العربي" منذ 23 سنة، أن يتفق مع عطوان في بعض خلاصاته، خاصة حين يوحي بوضع النظام والمعارضة في كفة نقد واحدة؛ ولكن كان أصعب عليّ، بل ظل مسعى مستحيلاً ـ ليس دون بهجة شخصية، في هذا، والحقّ يُقال! ـ أن أجد له مفردة واحدة تتخفف من إدانة وحشية النظام ضدّ الشعب السوري، أو تبرر أياً من خياراته العنفية. وأمّا نقد المعارضة السورية، الخارجية تحديداً، فلعلّي كنت شخصياً أقسى عليها من عطوان، وأكثر منه ثباتاً على رصد أخطائها، وفضح مباذلها أيضاً.

هذا، إذاً، عمود أوّل في إنصاف صديق عزيز وكريم، يظلّ أيضاً على رأس صنّاع ظاهرة "القدس العربي"؛ ولن يكون العمود الأخير، بالطبع، ليس لأنّ صداقتنا تتجاوز الزمالة المهنية، فحسب؛ بل لأنّ المواعيد مع "أبو خالد" مفتوحة ومديدة، حمّالة آلام وآمال، وبِنْت تاريخ يمرّ عليه الزمن، لا ريب، ولكن دون أن يمسّ فيه روحاً، أو يشوّه جوهراً.

الجمعة، 12 يوليو 2013

سياسات حيوانية!

قد لا يكون معروفاً، على نطاق واسع، أنّ سورية هي الموطن الأصلي لـ"خرافات إيسوب"، كتاب الحكايات والعِبَر الشهير، الأكثر شيوعاً على النطاق العالمي في هذا الميدان الخاصّ: مقاربة الحكمة، السياسية والأخلاقية والفلسفية، عبر سرد أقاصيص مستمدة من عوالم كائنات حيّة غير بشرية، والحيوان والنبات تحديداً. وأمّا المواطن السوري، الذي تدين له الإنسانية بهذا الفضل الكبير، فإنه بابريوس؛ الذي عاش في القرن الأوّل الميلادي، ولا نعرف عن حياته إلا النزر اليسير، وكان اسمه سيظلّ مغموراً منسياً لولا أبحاث ريشارد بنتلي (1662 ـ 1742)، العلاّمة البارز في الآداب اليونانية الكلاسيكية.

ففي كتابه "أطروحة حول خرافات إيسوب"، تعمّق بنتلي في تحليل لغة الخرافات المنسوبة إلى إيسوب (الذي يرجح هيرودوت أنه عاش في جزيرة ساموس اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد، مقابل باحثين آخرين يعتبرونه شخصية مختلَقة، أحالت إليه المخيلة الإغريقية طائفة من الحكايات اللاذعة التي كان من المستحيل نسبها إلى البشر)؛ فوقع على عدد كبير من الصياغات والجُمَل والفقرات التي تعود إلى بابريوس وحده. الدليل القاطع جاء سنة 1842، على يد الباحث اليوناني مينويديس ميناس الذي عثر، في أحد أديرة جبل آثوس، على مخطوط بتوقيع بابريوس، يضمّ 123 خرافة مطابقة لتلك التي ذاعت باسم إيسوب.

ويحدث مراراً أن يكون لأثر أدبي كلاسيكي قديم دلالاته الصارخة في حدث راهن غير أدبي، سياسي أو اقتصادي أو عسكري أو علمي؛ وذلك رغم أنّ حسّ الأدب، في مفهومه الإنساني العريض على الأقلّ، يندر أن يغيب عن الواقعة البشرية المميزة. تلك هي الحال مع حكايات كليلة ودمنة في مثال أوّل، حيث يضع الفيلسوف بيدبا تأملاته على ألسنة حيوانات شتى، مصاغة في أقاصيص طريفة، ذات مغزى مبسّط، وترميز خفيّ ولكنه غير خافٍ. كتاب الأقاصيص الهندي الكلاسيكي "بانشاتانترا"، في مثال آخر، يضمّ خمسة مجلدات من الحكايات التي تستهدف تلقين الأمراء فنون السياسة والحكم، على النحو الذي سوف تتخذه مطارحات مكيافيللي في "الأمير".

"خرافات إيسوب" تظلّ الأبرز، في المقابل، لأنها معين لا ينضب من الأمثولات الساخرة من وقائع الحياة اليومية للبشر، خاصة في ميادين النفاق السياسي، والكيل بمكيالين، والذرائعية القصوى المتحررة من كلّ ضابط أخلاقي. ولعلّ طبعة "بنغوين" البريطانية، بترجمة جديدة ومقدّمة وافية من روبرت وأوليفيا تيمبل، هي أفضل الطبعات المتوفرة، ليس لأنّها تدرج الحكايات كاملة غير منقوصة، فحسب؛ بل بسبب تفوّقها في اعتبارات كثيرة على جميع الترجمات الإنكليزية السابقة. وكما هو معروف، كانت معظم الطبعات البريطانية (منذ سنة 1484، حين أنجز وليام كاكستون أولى الترجمات) قد غربلت الحكايات، وراقبت ما يخلّ منها بالآداب العامة، فحذفت عشرات من أصل 350 حكاية. وإلى جانب الحذف، بذل الفكتوريون جهداً خارقاً لتجريد الحكايات من دلالاتها المبطنة، وتحويلها إلى محض قصص مسلّية تدور في عالم الحيوان إجمالاً، وتُروى للأطفال قبيل الإغفاءة.

وفي أيامنا هذه، ثمة عشرات الأقاصيص البابريوسية/الإيسوبية التي تفضح مواقف الساسة والدول، إزاء قضايا مثل المأساة السورية، في أبعادها الإنسانية على الأقلّ؛ أو الانقلاب العسكري في مصر، وكيف تملّص البيت الأبيض من تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية؛ أو امتناع أوروبا عن منح اللجوء للمواطن الأمريكي إدوارد سنودن، المحلل السابق في "وكالة الأمن القومي" الأمريكية، اتقاءً لغضب واشنطن؛ أو ابتلاع مهانة التجسس الذي مارسته الوكالة ذاتها على عدد من الحلفاء الأوروبيين، بالتوازي مع افتضاح وجود سلطات رقابة سرّية يمارسها "الأخ الكبير"، في بعض أعرق الأنظمة الديمقراطية الغربية...

هنالك حكاية (تنفع فلاديمير بوتين، مثلاً، حين استفظع قيام مقاتل سوري مهووس بالتهام قلب خصمه، ولم يستفظع أياً من عشرات المجازر التي ارتكبها النظام السوري): تباهى دبّ بأنه شفيق رحيم، وصديق صدوق للإنسان، حتى صار يأنف من ملامسة جثث أبناء آدم؛ الثعلب ابتسم وردّ عليه: ليتك أكلتَ الجثة الميتة، وأبقيت على الإنسان الحي! حكاية ثانية (لعلها تنفع، بعد عكس الأدوار طبعاً، في رصد حال المحاصصة، بين جيش بشار الأسد وجيوش حلفائه): عقد ملك الغابة تحالف صيد مع الحمار البرّي، الأوّل لأنه قويّ وشرس، والثاني لأنه سريع الركض وحمّال أثقال؛ لكنّ الأسد اعتمد الحسبة التالية في تقسيم الطرائد: حصّة أولى للأسد بوصفه ملك الغابة، وحصّة ثانية للأسد لأنه الأقوى، وحصة ثالثة للحمار... ولكن من الحكمة أن تُترك للأسد أيضاً، ثمناً لبقاء الحمار على قيد الحياة!

وهذه حكاية أخيرة: ذات يوم لاحظ القرويون أنّ الجبل يتمخض، إذْ تصاعد الدخان من قمّته، وارتجّ السفح، وتهاوت أشجار، وتدحرجت صخور، وكان محتماً أن تشهد الأرض وقوع حدث جلل. ثمّ انشقّ الجبل عن أخدود صغير، فارتعدت فرائص الناظرين خوفاً وترقباً؛ حتى هالهم أنّ فأراً أطلّ برأسه من الشقّ، ليس أكثر، فكان أن اجترحوا ذلك القول المأثور: تمخض الجبل...! ألا تبدو الأمثولة مفيدة، اليوم، في مناسبة انتخابات "الائتلاف الوطني السوري" الأخيرة، حيث دارت لعبة كراسٍ موسيقية طاحنة بين "الإسلاميين" و"الليبراليين" و"العلمانيين"؛ ثمّ انتهت إلى استئناف أنغام اللعب القطرية/السعودية ذاتها، وإعادة إنتاج المخاض... إياه؟

قيادة البعث الجديدة: "ثقافة" الجثة الهامدة

مضى زمن طويل منذ أن كرّس بشار الأسد حديثاً صحفياً كاملاً، أو يكاد، لمناقشة أوضاع حزب البعث؛ الذي يظلّ "حاكم" البلاد، رسمياً وشكلياً، رغم إلغاء المادة 8 من الدستور، التي كانت تقول إنه حزب "قائد للمجتمع والدولة"، و"يعمل على وضع الخطط والسياسات العامة". والمناسبة الجديدة هي استيقاظ اللجنة المركزية للحزب، من سبات طويل يليق بأهل الكهف، وعقد اجتماع موسع شهد تبديل القيادة القطرية السابقة بالكامل؛ ما عدا، بالطبع، الرفيق الأمين القطري نفسه، بشار الأسد، الذي يظلّ فوق أيّ اعتبار يستدعي التغيير، أسوة برفاقه، أو على غرار بني البشر أجمعين!

طريف، مع ذلك، أنّ الأسد يقول التالي، في الحديث الصحفي إياه: هنالك "تقصير على مستوى المؤسسة ككل نتحمل مسئوليته جميعا"؛ وإنّ من مهام اللجنة المركزية للحزب "مراقبة عمل القيادة وتقييمها ومحاسبتها حسب الأنظمة الداخلية للحزب، أو من خلال اقتراح اللجنة المركزية بإقالة عضو أو أكثر من الأعضاء، أو إقالة القيادة كلها، كما حصل منذ أيام، فقامت اللجنة المركزية في الاجتماع الموسع باستبدال القيادة بشكل كامل". فكيف حدث أنّ رأس هذه القيادة، الأمين القطري، ليس مسؤولاً أبداً عن أيّ خطأ أو تقصير، بدليل أنّ قيادته تبدّلت بالكامل، لأنها مخطئة مقصّرة، وظلّ هو قائداً خالداً معصوماً عن الخطأ والمحاسبة؛ بل جرى تنصيبه، سريعاً، على رأس القيادة القطرية الجديدة؟ وكيف يبرر الأسد "محاسبة" لا تتجاوز التنحية عن الموقع الحزبي، فلا تذهب أبعد ولو خطوة واحدة، فتخبر "جماهير الحزب"، لكي لا نتحدّث عن "الشعب السوري"، بما ارتكبه ذلك المسؤول من أخطاء؟

طراز ساذج من الأسئلة، سوف يقول قائل، محقاً تماماً؛ إذْ كيف ينتظر المرء أيّ مستوى جدّي من المحاسبة يمكن أن يصدر عن نظام كهذا، يخوض منذ 28 شهراً حرباً شعواء قذرة، بكلّ صنوف الأسلحة والنيران، ضدّ البشر والحجر والزرع والضرع في سورية؟ وكيف، أيضاً، إذا كانت الإجابات تخصّ هذا الحزب بالذات، البعث، الذي تحوّل إلى جثة شبه هامدة، بعد أن اقتُطعت من جسمه تلك الشرائح التي تصلح للانقلاب إلى ميليشيا عسكرية فوق الشعب، طائفية التركيب في تسعة أعشار نماذجها، تقاتل الشعب السوري تحت إمرة ما تبقى من مؤسسات عسكرية ـ أمنية موالية للنظام، أو ضباط غزاة من كتائب "حزب الله" اللبناني أو العراقي، و"الحرس الثوري" الإيراني؟ وكيف، أخيراً، إذا كانت الفذلكة اللفظية، والتفلسف الأجوف، والتبرير الديماغوجي... هي العدّة التي اعتمدها الأسد، على جري عادته، في صياغة إجاباته؟

على سبيل المثال، يطرح محاوِره عبد اللطيف عمران، رئيس هيئة تحرير جريدة "البعث" الرسمية التي نشرت الحديث، هذا السؤال الذي ينطوي على حقّ ولكنه يتوسل باطلاً: "إن الحزب تاريخياً هو حزب الفقراء والكادحين، وحزب الجماهير الشعبية، لكن في ظل الأزمة لاحظنا أن من تحرك ضد الحزب والدولة هم الفقراء والكادحون! ما رأيكم في ذلك؟". الأسد ينفي، اتكاءً على سببين: "أن الحرب لم تكن يوماً بين فقراء وأغنياء أو كادحين وأثرياء، وهي أيضاً ليست حرب قواعد شعبية على حزب حاكم، ولا على الدولة". والسبب الثاني: "أن من يدافع عن الوطن الآن هم هذه الشريحة من الكادحين وأبناء العمال وأبناء الفلاحين.. جزء منهم في الجيش، والجزء الآخر يدافع عن مناطقه، خاصة في الأماكن التي تتطلب الوقوف إلى جانب قواتنا المسلحة". فما هي هذه "الحرب"، إذاً؟ "الصراع الموجود الآن هو بين جاهل وواعٍ، بين وطني وعميل، بين متطرف ومعتدل"، يجيب الأسد!

مثال آخر، يخرج عن سياقات حزب البعث والمحاسبة والتقصير، ولكن لا يغادر منطقة حقّ يُراد منه الباطل، ولا يحيد عن هدف غسل الأسد من كل زلل أو خلل. يثير السائل فكرة "سقوط مشروع الإسلام السياسي"، التي طرحها الأسد بمناسبة انتفاضة الشعب المصري الأخيرة ضدّ جماعة الإخوان المسلمين وانقلاب العسكر على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ويسأل: "كيف لنا أن نفهم أن أهم حلفائنا في المنطقة إيران وحزب الله... أليسوا أحزاباً دينية وإسلاماً سياسياً؟" سؤال وجيه، إلا إذا طُرح على متفلسف مثل الأسد، إذْ أنّ إجابته سوف تسير هكذا: "المجموعة التي قصدناها، أي الإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم، هي تلك التي تستغل الدين وتستخدمه كقناع وتحتكره لنفسها وتكفّر الآخرين، وهي التي تعتبر أنك عندما لا تقف معها سياسياً فأنت لا تقف مع الله شرعياً... وهذا لا ينطبق لا على إيران ولا على حزب الله، فهم لا يعاملون الناس انطلاقاً من البعد الديني والطائفي، وإنما انطلاقاً من الأبعاد الوطنية والسياسية، ولا يميزون بين الدول أو الجهات التي يتعاملون معها إلا وفقاً للمبادئ والمصالح السياسية والقضايا الاستراتيجية"!

مثال ثالث، وأخير، على هذا الاستغفال لعقول البشر، والسوريين منهم بصفة خاصة ناجمة عن مرارات نصف قرن من حكم حزب البعث، بينها 43 سنة لنظام "الحركة التصحيحة" وآل الأسد وحدهم. يسأل عمران: "مما جاء في كلمتكم بالأمس، لوحظت نبرة نقد واضحة ومراجعة نقدية تفصيلية في بعض الجوانب... لماذا كانت نبرة النقد عالية بالاجتماع الموسع نوعاً ما؟". الأمين القطري، المنزّه عن كلّ خطأ أو تقصير بالطبع، يجيب على ثلاثة مستويات: عامّ ومعياري، مفاده أنّ "النقد للمؤسسة أو للحكومة أو للدولة هو دعم لها جميعاً وخطوة لتطوير أدائها"؛ وعامّ وسيكولوجي وثقافي، يرحّل "المشكلة" إلى واقع "أننا ربما كعرب وشرقيين لا نحب النقد، وننظر إليه على أنه نوع من الإهانة الشخصية، وهذا شيء خطير نراه في كل المستويات"؛ وثالث، محلي وذاتي وتوجيهي: "ثقافة النقد يجب أن تكون إحدى أساسيات عملنا الحزبي وغير الحزبي، والقضية ثقافة، كما قلت، لا علاقة لها لا بالأنظمة ولا بالقوانين... فلننظر فقط أن النقد هو للتطوير والدعم وتحسين الأداء، عندها لن نستغرب، أو يستغرب أحد كلامي بالاجتماع الموسع".

حسناً، فما الذي حال دون قيام الرفيق الأمين القطري نفسه، بهمسة نقد ذاتي واحدة، وحيدة يتيمة، يُستشفّ منها أنه من طينة بني البشر، وأنه لهذا خطّاء مثلهم، خاصة في الظروف العاصفة التي تعيشها سورية منذ سنتين ونيف؟ وهل يعقل أنه، وهو رأس النظام والأجهزة الأمنية والجيش الموالي والحزب الحاكم والميليشيات وقطعان الشبيحة... ليس مسؤولاً عن قطرة دم واحدة من 100 ألف قتيل سوري؟ وأية "ثقافة"، إذاً، هي تلك التي تمكّنه من إبصار أخطاء رفاقه في القيادة القطرية (بمَنْ فيهم فاروق الشرع، نائبه وآخر المخضرمين الباقين من رفاق أبيه)، وتمحيصها، وكشفها، والمحاسبة عليها... دون الوقوع على خطأ ذاتي واحد، لا يُعصم عنه إلا الآلهة؟ هذه، بدورها، طائفة مماثلة من الأسئلة الساذجة التي يجبها، على نحو قاطع وقطعي، ايّ عقل بسيط يغامر بمساجلة هذه الفذلكة الديماغوجية الفاضحة.

لا مهرب، مع ذلك، من استدعاء أسئلة أخرى، تطرح ذاتها من تلقاء السياقات القديمة والجديدة التي أثارتها في الماضي، وتثيرها اليوم أيضاً؛ مثل سؤال يقول: أين كانت "ثقافة" البعثيين حين شهد العالم بأسره مهزلة انعقاد ما يُسمّى "مجلس الشعب" السوري، على نحو كرنفالي أقرب إلى استعراض السيرك منه إلى أيّ اجتماع بشري، من أجل تعديل المادة 83 من الدستور لكي تلائم توريث بشار الأسد، بعد ساعات معدودات أعقبت وفاة أبيه؟ بل أين كان هؤلاء "الرفاق" أنفسهم حين أصدر شيخهم الأعلى مرتبة آنذاك، عبد الحليم خدّام دون سواه، القانون رقم 9، المؤرخ في 11/6/2000، والقاضي بتعديل هذه المادة، ليصبح عمر رئاسة الجمهورية الدستوري مطابقاً لعمر الوريث آنذاك (34 سنة)؟ وأين كان ضباط "حماة الديار"، حين جرى ترفيع بشار الأسد من رتبة عقيد إلى رتبة فريق، دفعة واحدة؛ وتعيينه قائدًا عاماً للقوات المسلحة؟

كذلك، ضمن حزمة الأسئلة ذاتها: أين كان البعثيون في المؤتمر القطري التاسع الذي انعقد بعد أيام معدودات على ذلك الكرنفال، لا لكي يتخذ توصيات سرعان ما اتضح أنها جوفاء طنانة رنانة (كالنصّ، في الحياة السياسية، على "الحاجة إلى تطوير النهج الديمقراطي القائم بصورة تتعزز معها الجبهة الداخلية، وتتحقق مشاركة أوسع فعالية وجدية للجماهير، وتنشط الحياة الحزبية، وتضمن الحريات العامة التي كفلها الدستور والقانون بما في ذلك حرية الرأي والتعبير"؛ أو، في الجوانب الاقتصادية، مناقشة "الخلل القائم في البنية الاقتصادية، وحالة الركود والانكماش في الاقتصاد الوطني، وتأثير ذلك كله على مسيرة البناء والتقدم، وعلى مستوى معيشة المواطنين وتوفير احتياجاتهم، وتأمين متطلبات الدفاع الوطني"...!)؛ بل لكي يتخذ قرارين هما الأهمّ، كما يعترف الحزب ذاته في موقعه الرسمي: "اختيار الرفيق الدكتور بشار الأسد قائدا لمسيرة الحزب والشعب"، و"انتخاب الرفيق بشار الأسد أميناً قطرياً للحزب"؟

ومجدداً يتذكر المرء، ويذكّر بما لا يجوز طمسه في الذاكرة الجَمْعية: من مجازر حماة 1982 في سورية، إلى مجزرة حلبجة في العراق، وصولاً إلى الهمجية المطلقة في محاولات كسر الانتفاضة الشعبية الراهنة؛ ومن احتلال لبنان وحصار المخيمات الفلسطينية والتفرّج على الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، إلى احتلال الكويت، وصناعة واحدة من أغبى كوارث العرب في التاريخ الحديث؛ ثمة منطق صارم يربط البدايات بالمآلات، آيلاً بها إلى النهايات. الصفحة تُطوى في العراق دون أن تنطوي تماماً، وفي سورية تكفلت الجمهورية الوراثية بالإجهاز على آخر الأكاذيب حول حزب بدأ من استلهام فلسفة فيخته (ميتافيزيقا الأمّة الألمانية)، ونيتشه (فلسفة القوّة وشخصية البعثي السوبرمان)؛ قبل أن تمسخه أجهزة الاستبداد والفساد إلى كتلة انتهازية هلامية، مستكينة ومنقادة ومأمورة، فتصبح فِرَقه الحزبية، وشُعَبه وفروعه محض استطالات تابعة لإدارات الاستخبارات، وتنقلب قواعده إلى جموع ببغائية، تهتف: "منحبّك!" و"شبيحة للأبد!"، و"الله! سورية! بشار وبسّ!"...

الجمعة، 5 يوليو 2013

العسكر في برّ مصر: الجزائر أم الباكستان؟

يداه أوكتا، الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وفوه نفخ؛ فكان لا مفرّ للقربة ـ سيئة الوكاء (الربط)، واهية النفخ، التي شاء أن يمخر بها عباب مصر الثائرة العطشى إلى الحرية والتغيير ـ أن تغرق وتُغرقه وهو على مبعدة سنة واحدة فقط من انتخابه كأوّل رئيس مدني في تاريخ مصر الحديث. وتلك القربة لم تكن ذات عروة وثيقة تتصل بـ"الشرعية"، التي أطنب في التعلّق بأهدابها وهو قاب قوسين أو أدنى من انقلاب العسكر عليه؛ بل كانت مقيّدة بإحكام إلى سلسلة ارتهانات رئاسية لجماعة الإخوان المسلمين، أو بالأحرى لمكتب إرشاد الجماعة، الذي تحوّل إلى مرجعية عليا شبه وحيدة، تستهدف القبض على أعنّة السلطة، كلّها، دون استثناء، ودون إبطاء أيضاً.

وليس الأمر أنّ مرسي كان يفتقر إلى الشرعية، بشتى معانيها الحقوقية والدستورية، وفي الأطر المصرية المحلية مثل تلك الكونية المتفق عليها؛ بل الأصح القول إنّ شرعيته اكتُسبت في مستويات أخرى غير صندوق الاقتراع الخاصّ بالانتخابات الرئاسية. وسواء اتفق المرء مع الدستور المصري، الذي علّقه العسكر، مؤخراً، ضمن حزمة إجراءاتهم الانقلابية؛ أو اختلف (كما أفعل شخصياً) مع روحيته العامة، وتلك التي تخصّ الحقوق المدنية والموقف من الشريعة الإسلامية بصفة خاصة؛ فإنّ الاستفتاء عليه أواخر العام الماضي، بنسبة موافقة تجاوزت 63 بالمئة، كانت في وجهها الآخر استفتاءً جديداً على شرعية رئاسة مرسي. وهذا الاحتكام إلى التصويت الشعبي كان، في وجه ثالث، مؤشراً على مازق المعارضة بأطيافها كافة، اليسارية والليبرالية والناصرية والدينية، فضلاً عن "فلول" النظام القديم.

الأمر، في إشكاليته المقابلة، تمثّل في أنّ تلك الشرعية الحقوقية والدستورية كانت تتصادم، تدريجياً، ولكن على نحو منهجي منتظم، مع إرادة شعبية واسعة النطاق، كانت ترقب خسوف الكثير من أهداف انتفاضة 25 يناير 2011، وانحسار زخمها الديمقراطي والمطلبي والوطني إلى محض تجاذبات، أقرب إلى دائرة مفرغة، بين جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة المستفرِدة، وجماعات المعارضة المتشرذمة والعاجزة عن بلورة مشروع معارِض مضادّ ذي مصداقية كافية. وهكذا، بدت الإنجازات الديمقراطية (الانتخاب، والتصويت، والحرّيات السياسية والنقابية والإعلامية...) وكأنها السطح الساخن الظاهر، الذي يخفي غليان الأعماق كما جرى التعبير عنه في ثقافة "ملء الميادين"، على الطرفين في الواقع، ولكن بمعدّلات أعلى وأشدّ فاعلية في صفّ القوى الشعبية المناهضة لسياسات مرسي والإخوان.

كانت تلك الشرعية سليمة قانونياً، ودستورياً أيضاً، ولكنّ افتقارها إلى مقدار مماثل من المصداقية الشعبية (وثمة ما يغري المرء بالتفكير في "مصداقية ثورية" كذلك)ن كان لا يطعن في كثير من عناصر تلك السلامة، فحسب؛ بل يهدد باجتثاث جذورها القانونية والدستورية، لتصبح في الموقع النقيض تماماً: أنها فاقدة للشرعية، وإسقاطها له الأولوية على أيّ أعتبار آخر، وأياً كانت الوسائل الكفيلة بضمان ذلك الإسقاط. وتحت وطأة حال كهذه، لا تخلو من فوران شعبي جارف لإزاحة مرسي والإخوان عن سدّة الحكم، أن يصبح الجيش مقبولاً لدى القطاعات الشعبية ذاتها التي هتفت، قبل أشهر قليلة فقط، بسقوط حكم العسكر؛ وأن تنزلق أطراف في المعارضة المصرية، على اختلاف أطيافها، ليس إلى تجميل صورة الجيش وإعادة إنتاجه كمنقذ للأمّة وضامن لحقوق الشعب، فقط؛ بل كذلك إلى امتداح "الداخلية"، وقوى الأمن والاستخبارات والشرطة!

هذه ليست مشكلة ذاكرة شعبية قصيرة، أو حسيرة، للإنصاف؛ بقدر ما هي أقرب إلى استماتة قصوى في الاتكاء على المؤسسة الوحيدة التي لاح أنها قادرة على تنحية مرسي بالقوّة، حتى إذا كانت تجربة الجيش في حكم مصر، من شباط (فبراير) 2011 وحتى حزيران (يونيو) 2012، مريرة غالباً في ملفات الحقوق والحرّيات العامة والمطالب المعيشية والخدمية وحال الاقتصاد إجمالاً. وفي أحدث تقرير لها، حول هذه الفترة العسكرية تحديداً، أشارت منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى أنّ 12 ألف مواطن مدني حوكموا بتهمة الإساءة إلى الجيش، أي أكثر مما حاكم نظام حسني مبارك طيلة 30 سنة! كذلك شددت المنظمة على أنّ المجلس العسكري استخدم القوّة المفرطة في فضّ التظاهرات أو اعتقال المتظاهرين وتعذيبهم، وتوانى عن التحقيق في حوادث كثيرة خطيرة بهذا الصدد، أو ألقى بالمسؤولية على عاتق رتب دنيا في الجيش (كما في واقعة ماسبيرو، في تشرين الأول/ اكتوبر 2011، التي قُتل خلالها 13 متظاهراً).

ومؤخراً، وبعد دقائق من إعلان الفريق أوّل عبد الفتاح السياسي احترام حرّية الإعلام ونبذ الإقصاء السياسي، سارعت وزارة الداخلية إلى إصدار قرار بوقف بثّ ثلاثة أقنية إسلامية، واقتحمت مكاتبها، واعتقلت عدداً من العاملين فيها؛ كما اتخذت الإجراء ذاته ضدّ فضائية غير مصرية هذه المرّة، هي  "الجزيرة مباشر مصر"، والتي كانت تغطي مشاهد اعتصام مؤيدي مرسي في ميدان رابعة العدوية. بعد هذا قامت مفارز أمنية باعتقال محمد الكتاتني، رئيس حزب "الحرية والعدالة"؛ وخيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين؛ إضافة إلى قرابة 300 من كوادر الجماعة، وفقاً لصحيفة "الأهرام" المصرية؛ كما تتمّ ملاحقة قيادات إخوانية أخرى، مثل محمد البلتاجى وعاصم عبد الماجد وحازم أبو اسماعيل وطارق الزمر.

أوّل الغيث قطر، ولسوف تتعاقب إجراءات العسكر في التنكيل بجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي استكمال الانقلاب العسكري بآخر ينقلب على تلك "الشرعية" الشعبية الأخرى، التي جاءت بالإخوان إلى مجلس الشعب، وتكفلت بانتخاب مرسي ضدّ أحمد شفيق (وليس، البتة، ضدّ مرشح للمعارضة اليسارية أو الليبرالية أو الناصرية، للإيضاح المفيد)، كما وقفت وراء الاستفتاء على مشروع الدستور؟ أغلب الظنّ أنّ السيسي، على رأس المؤسسة العسكرية، سوف يتابع سياسات القمع التي بدأها فور فراغه من تلاوة "خريطة الطريق"، التي لم تكن في واقع الأمر سوى صيغة ملطفة من "البيان رقم واحد"، الذي عوّدتنا عليه انقلابات العسكر في التاريخ العربي المعاصر. والأغلب، استطراداً، أنّ الرئيس المؤقت المعيّن، المستشار عدلي منصور، سوف يكون خيال ظلّ لجنرالات السيسي؛ وهذه خلاصة يقود إليها المنطق البسيط، حتى قبل معرفة تركيبة الحكومة القادمة، واتضاح مقدار خضوعها لإرادة صانعي الانقلاب.

والحال أنّ فئات المعارضة المصرية السعيدة بانقلاب العسكر، بما فيها تلك التي ترفض هذا التوصيف، إنما ترتكب خطأ جسيماً إذا ظنّت أنّ قهر الرأي وقمع حرّية التعبير وحظر النشاط السياسي هي الوسائل المثلى لمحاربة الإخوان المسلمين. التجارب أثبتت سطحية هذا التقدير وخطورته، كما برهنت على أنه ينتج نقيضه في نهاية المطاف، أي إتاحة الفرصة أمام الجماعة لحيازة صفة الضحية المضطهَدة من الجميع، واكتساب شعبية إضافية من خلف القضبان والزنازين. وما دامت المعارضة مبعثرة ومجزأة وضعيفة، فما الذي يضمن اليوم أنّ الدورات الانتخابية القادمة لن تأتي بالإسلام السياسي ذاته، وبالتالي لن تتكرر الحلقة إياها، في وضع قانون انتخابي، أو تنظيم انتخابات تشريعية، أو كتابة دستور جديد، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية؟

وفي مواجهة صعود الإسلاميين، في الحقبة الراهنة أو بصفة عامة أيضاً، ليس أفضل من ذلك الحلّ الذي لاح أنّ الحياة السياسية المعاصرة، على نطاق العالم المسلم والعالم العربي، قد اقترحته على الجميع: أن يُجبر الإسلاميون، إذا شاءت صناديق الاقتراع المجيء بهم إلى السلطة، على الهبوط من سديم السماء إلى أديم الأرض، حيث السلطة لا تقتصر على النصّ والشريعة والمسجد وعقدة الضحية، بل تشمل أوّلاً حكم مجتمع يتطلب المستشفى والمدرسة والشارع المعبّد والمأكل والمشرب، أسوة بالحرّيات العامة والمدنية، والقضاء المستقلّ، وفصل السلطات، والتداول السلمي للسلطة. فإذا دُفع الإسلاميون بعيداً عن معترك كهذا، وتمّ إقصاؤهم عن الانخراط في الحياة السياسية (على غرار ما فعل عسكر السيسي فور الإعلان عن الانقلاب)، فما الذي يتبقى للإسلاميين سوى العودة إلى التطرّف والتشدد والتكفير، تحت الأرض غالباً، بدعوى أنهم ضحية الإقصاء على الأقلّ؛ وممارسة الإرهاب، بدعوى "الجهاد" في المقام الأوّل؟

واليوم، ثمة مراقبون يرجّحون انزلاق مصر إلى النموذج الجزائري، حين انقضّت المؤسسة العسكرية على انتخابات ديمقراطية، فأطلقت أشرس ما في باطن الحركات الإسلامية المتشددة من عنف عشوائي وحشي؛ وثمة مراقبون آخرون يرون ملامح النموذج الباكستاني، حيث اعتاد جنرالات الجيش تعطيل الحياة السياسية المدنية، عن طريق الانقلاب العسكري. القاسم المشترك بين النموذجين كان شعار التدخّل بهدف "حماية الوطن من الأخطار"، و"الحفاظ على الأمن القومي"، و"الدفاع عن الشعب"... تماماً على غرار خطاب السيسي. وفي يقيني تبدو أخطار النموذجين واردة، ما خلا أنّ الشارع الشعبي المصري قد راكم من التجارب، في أطوار مختلفة من تاريخ مصر الحديث، "أمّ الدنيا" بحقّ، ما يكفي لاجتراح نقطة توازن عليا، وطنية وديمقراطية وثورية؛ فُرضت على جنرال من طراز السيسي، وقبله سامي عنان و المشير محمد حسين طنطاوي، أو على معارضين من أمثال محمد البرادعي أو محمد مرسي أو حمدين صباحي أو أحمد شفيق...

 الثمن، في المقابل، قد يكون باهظاً وفادحاً، لاعتبار جوهري أوّل هو أنّ المؤسسة العسكرية المصرية احتفظت على الدوام بموقع الرئاسة، منذ محمد نجيب وجمال عبد الناصر، وحتى أنور السادات وحسني مبارك؛ وكان برنامج توريث الرئاسة الذي اعتمده الأخير كفيلاً بقطع ذلك الإرث، وتكبيد المؤسسة العسكرية المزيد من الخسائر، وربما التهميش والإضعاف، أو حتى المهانة في الموقع والمكانة. ولعلّ هذه المؤسسة، التي تشرف أيضاً على جهاز المخابرات العامة، قد تنبهت ـ تحرّكها، ربما، تلك القاعدة العسكرية التي ترى في الدفاع خير وسائل الهجوم ـ إلى إمكانية استغلال حركة الشارع المصري في مناسبات شتى، وربما في كلّ يوم غضب شعبي عارم، وإعادة فرض الجيش كرقم في المعادلة السياسية... "شريف" و"باسل" و"منقذ"...

ويبقى هذا البُعد السوري لانقلاب العسكر الأخير في مصر: ثمة شرّ البلية (إحساس السوريين، المأساوي، بالفارق الشاسع بين الجيش المصري وجيش النظام، من حيث احترام دم المواطن وكرامته وشخصيته وحقوقه، رغم أنّ العسكر عسكر متماثل في تسعة أعشار أنظمة الاستبداد والفساد العربية)؛ وثمة ما يُضحك في شرّ البلية (ابتهاج بشار الأسد لـ"سقوط الإسلام السياسي"، بما يوحي أنّ مشكلته ليست في الحرب الهمجية التي يشنها نظامه ضدّ الشعب السوري، بل هي في مقارعة تسييس الدين!).

كان منطق الإدراك العامّ عند محمد مرسي أرحم بكثير، والحقّ يُقال!