وعزّ الشرق أوّله دمشق

السبت، 7 نوفمبر 2015

حازم الأمين ويهود سورية: ردّ على رد




نشر حازم الأمين، في صفحته الشخصية على الفيسبوك، هذا النصّ:

"احتفال معارضين سوريين بمقال صبحي حديدي عن يهود سورية يؤشر ايضا الى وعي استئصالي. المقال جرم جماعة مدعيا انه يتحدث بلسان الضحية. ثم ان التساؤل عن سبب انحياز جماعة "باكملها" الى مجرم مثل بشار يجب ان يشمل ايضا ما عرضته الجماعات البديلة على هذه الجماعة. والمفارقة ان حديدي يعرض وقائع عن ولاء يهود دمشق لبشار وقبله لحافظ وفي نفس الوقت يعرض وقائع عن محاولاتهم الهرب من سورية في نفس الفترة، وعن معاقبة النظام كل من حاول منهم مغادرة سورية.

التردد في ابلسة اي مجموعة يجنب الضحية ان تكرر تجربة الجلاد".

سوف أثقل على القارىء بوضع رابط إلى مقالي، في "القدس العربي"، لمن شاء التدقيق فيه؛ وأردّ على الأمين بما يلي:

ـ طريف، ولكنه دالّ تماماً، أنه يبدأ بمفردة "احتفال"... وكأن اتفاق امرىء، معارض سوري أو غير معارض، مع رأي امرىء آخر، هو بالضرورة احتفال؛ بما يعنيه ذلك من طبل وزمر، أغلب الظنّ! ولست أدري، حقاً، كيف استشعر صيغة الاحتفال تلك؛ وأفهم، في المقابل، لماذا استقرّ على مفردة توحي بما توحي، شعورياً على الأقلّ.

ـ من أين أتته إشارة (لأنه يقول: "يؤشر أيضاً") نهوض ذلك "الاحتفال" على "وعي استئصالي"... والعياذ بالله! مَنْ نحن، الذين نعتزم الاستئصال؟ ونستأصل مَنْ؟ وكيف؟ وحين يلجأ الأمين إلى هذه المفردة، تحديداً، هل يدلنا على مفردة شقيقة لها، تسعفنا في الاستدلال على استئصال ما، أياً كان موضوعه وهوية ضحاياه؟

ـ متي أدعيت، في المقال أو في أية مناسبة، أنني أتحدث "بلسان الضحية"؟ وما هوية هذه "الضحية" أساساً؟ هل هي الشعب السوري، مثلاً؟ وكيف يصبح مقال عن مواقف يهود سورية من نظام آل الأسد، ادعاءً بالتحدث بلسان الضحية؟ أم أنني أنا الضحية، في ترجيح ثانٍ؟ وهل يقصر عقل الأمين عن التمييز بين مواطن سوري، صاحب حقّ، ومعارض لنظام الأسد ـ هو كاتب هذه السطور، بكلّ تواضع ـ وبين "الضحية"؟

ـ أليس معيباً (إذا تجاوز المرء البواطن، والأمين أعلم بها) أن يلصق بالمقال تهمة شنيعة كالتجريم؟ وتجريم "جماعة"؟ أين في المقال عثر على أيّ إيحاء، دَعْ جانباً مفردة أو عبارة، تدل على أنني أجرّم يهود سورية؟ ثم إنني لم أتساءل، كما يفترض الأمين؛ بل سقتُ اقتباسات حرفية (لم أطوّرها، البتة، إلى أحكام شخصية) حول مواقف يهود سورية من آل الأسد. ولم أجرّمهم في هذا، ليس لأنني أقرّهم فيه، بل لأنني تركت الحكم على هذا التناقض الفاضح إلى كاتبة التحقيق نفسها، ماكسين دوفير، التي كانت هي التي تساءلت: "كيف يستقيم أنّ هذا النظام، الذي يذبح الشعب السوري لأنه طالب بالحرية، هو ذاته النظام الذي يدعو الحاخام يهوشوا بنتو، أو الحاخام إيلي عبادي، لزيارة الجالية اليهودية في سوريا؟".

ـ يهود سوريا ليسوا "جماعة" فقط، بل هم أتباع ديانة أيضاً، وديانة مدللة جداً، على نطاق كوني. لكني لم أتحدث عنهم إلا بمصطلح واحد وحيد، هو انحيازهم ـ كأتباع ديانة، بقيادة حاخاماتهم أولاً ـ إلى نظام دكتاتوري قاتل مجرم مستبد فاسد... يناقض كلّ تاريخ الكوارث الذي عاشه اليهود، أبناء الديانة تحديداً، وليس المواطنين اليهود بالمطلق. لا هذا المقال، ولا أيّ مقال آخر، يحتوي على أي موقف من جانبي ضدّ اليهود، كأتباع ديانة أو كضحية، والعكس هو الصحيح. أنا، أيضاً، ابن مدينة القامشلي، ثالثة ملاجىء اليهود في سورية، وقد زاملتُ يهوداً على مقاعد الدراسة، وتبضعت من محالّ يهودية في المدينة، وأعرف كنيسهم، وليس في وعيي أيّ ملمح عداء لليهود، بصفتهم هذه. وسوى موقفي الشخصي هذا، أنا أنتمي إلى تنظيم سياسي لم يتخذ أي موقف معادٍ لليهود، كيهود، إلا إذا شاء الأمين الاقتداء بالصهاينة الذين لا يفرّقون بين العداء لليهودي المستوطن الغاصب للأرض والحقوق، واليهودي بحكم الولادة والديانة!

ـ تبقى نقطة محزنة، حقاً، إذْ تأتي من كاتب محترف، تُنتظَر منه الموضوعية والمصداقية: أنه تقصّد قلب المعنى، رأساً على عقب، في الأمثلة التي أتيتُ عليها حول معاقبة آل الأسد لليهود السوريين الذين حاولوا الفرار من سورية؛ فاعتبر هذا تناقضاً عندي، وتجاهل أنني قصدت التالي، بالضبط: أنّ النظام عاقبهم من باب رفع العتب فقط، لأنه عفا عنهم سريعاً، واستقبل حاخاماتهم؛ على نقيض المعارضين السوريين الذين قضوا عقوداً في السجون والمعتقلات. فإذا لم تكن النيّة صافية في سوء الفهم هذا، فإنها للأسف ليست أقلّ من تشاطر صغير لعكس المعنى، عن سابق قصد وتصميم؛ أشعر، صدقاً، بالحزن لأنّ الأمين انزلق إليه هكذا، بهذا المقدار من الاستسهال والخفة.

ختاماً، أيكون لسان الأمين ذرباً أكثر مما ينبغي ـ لكاتب محترف مثله، على الأقلّ! ـ بحيث تتدفق منه مفردات مثل "وعي استئصالي" و"جرّم" و"لسان الضحية" و"الأبلسة" و"تكرار تجربة الجلاد"... تُلقى على عواهنها، كيفما اتفق، بمعزل عن حُسْن الدلالة وصحيح المقام؟  أم أنّ ما خفي كان أدهى، أشدّ بؤساً، وأدعى لمزيد من الحزن بالطبع.

http://www.alquds.uk/?p=477075