وعزّ الشرق أوّله دمشق

الاثنين، 8 أبريل 2013

الأسد وغلاة الصهاينة: يزدرونه ويناصرونه!

 في البوّابة الإخبارية الأمريكية المحافظة Real News، وعبر حوار متلفز، تطرح المذيعة ساره كوب السؤال التالي على دانييل بايبس، المعلّق والكاتب السياسي الأمريكي الصهيوني ـ الليكودي: "لقد طالبتَ دائماً بوجوب أن يقف الغرب على الحياد في سورية، ولكنك الآن تطالب الغرب بالتدخل، ولكن بهدف مساندة نظام الأسد، فكيف تبرر هذا؟". يردّ بايبس: "أبدأ بالقول إن موقفي ليس نابعاً من أي تعاطف مع نظام الأسد أو إعجاب به، فهو نظام فظيع جدير بالازدراء. ولكني إذْ أنظر إلى الموقف ككلّ، نظام الأسد البغيض، والمتمردين الذين يزدادون فظاعة، أعتقد أنّ الأفضل لنا هو أن يواصلوا الاقتتال فيما بينهم. لا أريد منتصراً في هذه المعركة يتولى قيادة سورية، ويصبح جاهزاً لقتال جيرانها. ونحن في حال ستراتيجية افضل إذا ركّزوا على بعضهم البعض، وهذه نقطة ستراتيجية وليست إنسانية".

ولو أنّ بايبس توقف هنا، لما كان في تصريحاته ـ على بشاعتها، وانحطاطها، ودعوتها الصريحة إلى تشجيع الإبادة الجماعية ـ ما يدهش كثيراً؛ باستثناء مقدار النفاق الذي تنطوي عليه، من حيث أنّ وقائع التاريخ القريب والبعيد تبرهن أنّ نظام "الحركة التصحيحية"، الأسد الأب مثل الأسد الابن، لم يشكّل أي تهديد جدّي لإسرائيل. وقد يصحّ، بالطبع، أنّ بايبس يسعد بأن تُدمّر سورية حتى لا يبقى فيها حجر على حجر، وأن يستهلك النظام الصواريخ السورية، من الـ"سكود" إلى الـ"توشكا"، في قصف حلب والرقة، بدل تل أبيب وديمونة. غير أنّ جوهر "النقطة الستراتيجية" التي يتحدث عنها لا تتوقف عند استنزاف سورية، البلد والشعب والجيش والاقتصاد والاجتماع... بل تقتضي، أوّلاً في الواقع، الحفاظ على نظام الأسد!

يتابع بايبس: "ولكني حين أطالب بمساندة نظام الأسد، فذلك لأنه ينهزم، وإذا تواصلت الأمور هكذا فأعتقد أنه سيسقط، وسنجد الإسلاميين ظافرين في دمشق". وهنا لا تجد المذيعة مفراً من طرح السؤال الطبيعي: "كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل وتدعم نظام الأسد؟ دع جانباً الأمر الأخلاقي، ولكن كيف سينجح التدخل سياسياً؟". يجيب بايبس: "لِمَ لا؟ لقد فعلنا هذا في العراق، خلال الثمانينيات، فساندنا صدّام حسين ضدّ إيران، وكنّا نعرف أنه وحش بائس، ولكننا لم نشأ له أن ينهزم أمام آية الله الخميني"! أيضاً، يتابع بايبس: "أعتقد أنّ النتيجة الأسوأ  في سورية هي أن يصبح الإسلاميون، المرتبطون بـ"القاعدة" أو قطر أو السعودية، حكّام سورية موحّدة من دمشق".

وإذْ يُطرح عليه سؤال إيران، يرتدّ بايبس إلى نقطة التناقض الأصلية في أطروحته، أي تشجيع اقتتال السوريين فيما بينهم، ومساندة الأسد ضدّ المعارضة، في آن معاً؛ فيقول: "في سورية إسلاميون سنّة يقاتلون إسلاميين شيعة. الإسلاميون المدعومون من تركيا، يقاتلون الإسلاميين المدعومين من إيران. حسناً، دعوهم ينخرطون في هذا، ولنساعدهم في مواصلة القتال فيما بينهم"! ولكن، إذا كانت المعادلة العسكرية مختلة، بشدّة، ضدّ المعارضة؛ لصالح نظام يتلقى الدعم، العسكري والمالي والبشري واللوجستي، من إيران وروسيا و"حزب الله" اللبناني، و"حزب الله" العراقي... أفلا ينتهي بايبس إلى ما يقوله عملياً، وإنْ على استحياء: لا تسمحوا بهزيمة الأسد، وانصروه، فهو الأفضل لمصالحنا الستراتيجية؟

ولكي لا يبقى بايبس وحيداً في ساحة الدفاع عن الأسد، أذكّر بموقف صهيوني محافظ آخر، سبق لي أن توقفت عند تصريحاته: ألكسندر أدلر، المؤرّخ والصحافي الفرنسي اليهودي، خلال حوار متلفز بدوره، مع "المركز الملّي العلماني اليهودي" في باريس. حول النظام السوري، قال أدلر: "بالطبع، إنّ حلفاءنا في وجه هؤلاء السنّة والإخوان المسلمين، هم الشيعة، أسوة بكلّ الأقليات الدينية في الشرق الأوسط؛ وحلفاؤنا هم الإيرانيون بالطبع. ومن غير أن أذهب بعيداً فأصفه بالحليف، اقول إنّ بشار الأسد ينبعي أن يصمد اليوم في سورية. لستُ مع انتصار على غرار ما جرى للقذافي، وسورية ليست ليبيا، وسنشهد على الفور مذبحة معممة ضدّ العلويين والمسيحيين في الواقع، ترتكبها هذه الأغلبية السنّية المركّبة من الإخوان المسلمين، والمموّلة من قطر والسعودية".

قبل هذا، وبصدد التعليق على أمن إسرائيل بعد انتفاضات العرب، قال أدلر: "إذا سألتني عن جوهر موقفي، أرى أنّ الشعب الإيراني هو الأقرب إلى الشعب اليهودي، وإذا كان ثمة بلد محصّن ضدّ العداء للسامية، فهو إيران (...) واليوم أعتقد أنّ العدو الرئيسي هو تجمّع المتشددين المسلمين السنّة، العرب، القائم على خليط من الناصرية وعقيدة الإخوان المسلمين، والذين ـ انطلاقاً من مصر، التي كانت على الدوام البلد الجدّي الوحيد في المنطقة ـ يوشك على ترتيب محاصرة إسرائيل، والتحضير للهجوم عليها بين يوم وآخر".

أمثال بايبس وأدلر ليسا أوّل، ولن يكونا آخر، الصهاينة الغلاة ممّن يزدرون نظام الأسد لأنه "بغيض"، ولأنهم يتبارون في نفاق الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وامتداح إسرائيل بوصفها "واحة" هذه القِيَم؛ ولكنهم، في الآن ذاته، لا يوفّرون جهداً لإنقاذ الأسد، ولا يُخجلهم الحثّ على مساندته، لأنه كان ويظلّ الأفضل لمصالح إسرائيل. خاب فألهم، اليوم أكثر من أي وقت مضى، فهم كمبتغي الصيد في عِرِّيسة الأسد، يقول المثل العربي!