وعزّ الشرق أوّله دمشق

الاثنين، 2 أكتوبر 2017

المرأة التونسية: إصلاحٌ أم ورقة توت؟



آمنة قلالي، مديرة مكتب منظمة ''هيومن رايتس ووتش'' في تونس، تصرّ ـ محقة تماماً، في الواقع ـ على التذكير بضرورة إقامة الرابط بين خيارَين مركزيين اتسم بهما سلوك السلطة في تونس خلال الآونة الأخيرة؛ على الرغم من تناقضهما البيّن، حقوقياً وقانونياً أولاً، ولكن سياسياً وأخلاقياً كذلك: تشريعات منح المرأة المزيد من الحقوق، المشروعة مبدئياً، والإيجابية عموماً، ولكن القصوى أحياناً والصادمة اجتماعياً، كما يساجل الكثيرون، من جهة أولى؛ وتشريعات حماية رجال العهد الدكتاتوري البائد من المحاسبة أمام "هيئة الحقيقة والكرامة"، بل تمكينهم في الوزارات والمؤسسات ومواقع الإدارة العليا، من جهة ثانية.
على سبيل المثال الأحدث عهداً، كان السجال يحتدم في تونس، على أصعدة سياسية واجتماعية وفقهية وإيديولوجية شتى، حول مقترحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بصدد مساواة المرأة التونسية مع الرجل في الإرث، وحقّ المسلمة التونسية في الزواج من غير المسلم؛ فماذا كان البرلمان التونسي يناقش، ويقرّ، في المقابل؟ ذلك القانون الخاصّ بإعفاء مسؤولين سابقين في حكومات بن علي من الملاحقة القضائية، رغم أنهم ليسوا متورطين في قضايا فساد وابتزاز فحسب، بل في ملفات تعذيب وترهيب وتنكيل أيضاً. وأمّا اعتراض الشارع الشعبي على هذا التشريع، ومسيرات الاحتجاج التي رفعت شعار “قانون تبييض الفساد لن يمرّ"، فإنها ذهبت أدراج الرياح.
وإذْ لا ينكر أحد أنّ سلسلة القوانين التي تخصّ مدوّنة الأحوال الشخصية التونسية تظل متقدمة على غالبية المدوّنات المماثلة في العالم العربي، وهكذا بدأت أصلاً منذ ستة عقود ونيف؛ فإنّ المراقب الحصيف للمشهد التونسي في أبعاده المتكاملة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ملزَم بأخذ الاعتبارات الأخرى الخافية خلف الاعتمالات الظاهرة للمشهد ذاته. كيف، في سياق مقاربة تكاملية مثل هذه، يصحّ استبعاد سلسلة المناورات المختلفة، الحزبية والسياسية، فضلاً عن تصارع المصالح ومجموعات الضغط وأروقة الفساد المعتمة، التي تكمن وراء هذه التشريعات؟
هل يجوز، حقاً، تنزيه السبسي عن مسعى إعادة استرضاء المرأة التونسية، خاصة في الصفّ العلماني والتحرري، بعد أن حلّ عليه سحطها جرّاء تحالفه مع "النهضة"؟ وهل يبيح العقل، بل منطق السياسة الأبسط، استبعاد احتمال لجوء السلطة إلى استغلال سجالات هذه التشريعات، وربما محاولة تسعيرها أكثر؛ بغرض إلهاء المواطنين عن مشكلات العيش والعمل والسكن والصحة والتعليم والأمن، في ظلّ انحطاط عامّ يصيب هذه القطاعات جمعاء؟ وكيف تُمنح سلطة حاكمة شهادة حسن سلوك حول حقوق المرأة، إذا كانت منظمات حقوق المرأة وحقوق الإنسان تتهم الشرطة التونسية بأنها ليست، أو لم تصبح بعدُ، جمهورية؛ بقدر ما هي "شرطة أخلاقية"، تفرض على وزارة الصحة إجراء فحوص العذرية؟
صحيح، كذلك، أنّ مدوّنة الأحوال الشخصية التونسية كانت على الدوام "ورقة توت"، كما تقول آمنة قلالي، أخفت استبداد السلطة وممارسات الأجهزة الأمنية ضدّ المعارضة بصفة خاصة؛ ولكنها، في الجانب الجدلي الموازي، منحت المرأة التونسية مكاسب قانونية ملموسة ومتقدمة، لا نزاع حول أهميتها في الحياة الاجتماعية عموماُ؛ كما افتتحت، في نطاق جدلي موازٍ أيضاً، منابر نقاش فكري وثقافي وفقهي حول موقع الفرد/ المرأة في المجتمع، إزاء الشريعة الإسلامية، في بلد لا يستلهم دستوره الشريعةَ مباشرة، وإنْ كان يقرّ بأنّ البلد مسلم.
ويبقى أنّ تصويت "النهضة" لصالح قانون إعفاء رجال العهد القديم، ثمّ "اعتدال" زعيمها التاريخي راشد الغنوشي في إبداء الاعتراض على قوانين توريث المرأة وزواجها من غير المسلم؛ مظاهر تثير الارتياب المشروع في أنّ الحركة تمارس بدورها تكتيكات المناورة، بل لعلها تتسابق فيها مع السبسي! الأمر الذي يطرح السؤال، الممضّ والمحقّ معاً: أهذا إصلاحٌ حقيقي صادق، أم إعادة تدوير لورقة التوت العتيقة؟