وعزّ الشرق أوّله دمشق

الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حوثي/ شبيح.. للأبد!

شريط الفيديو يُظهر يمنياً من أتباع عبد الملك الحوثي، جاء إلى سورية مقاتلاً يناصر نظام بشار الأسد، أسوة بأخوته في السلاح والعقيدة، من عناصر "الحرس الثوري" الإيراني، إلى ميليشيا "حزب الله" اللبناني، والمتطوعين من أنصار "أمل" ونبيه برّي (رئيس مجلس النوّاب في لبنان!)، وأفراد الميليشيات المذهبية العراقية التي لا تبدأ من غلاة "الصدريين"، ولا تنتهي عند مهووسي "حزب الله" العراقي ومرتزقة "لواء أبو الفضل العباس"... هؤلاء هم أطراف ما يُسمّى "المنظومة الشيعية"، التي تقاتل إلى جانب النظام السوري، "حتى انتصار الدم على السيف"، كما يهذون؛ وحتى الرمق الأخير قبيل اندحار حليفهم، كما تقول حكمة التاريخ.

وشريط الفيديو يُظهر المقاتل الحوثي وهو يرفع بندقيته، ويهتف بحياة "أسد العروبة والمقاومة"؛ على نحو يتناغم كثيراً، وعن سابق اقتباس واقتداء أغلب الظنّ، مع ذلك الهتاف الاشهر لدى المنحبكجية" أنصار النظام: "شبيحة للأبد! لعيونك يا أسد!". فإذا هضم المرء، بيسر أو بعسر، حكاية الهتاف للمقاومة، بالنظر إلى ابتذال المفردة حتى صارت ذريعة لتبرير أحطّ سلوكيات "محور الممانعة"، من قمع المعارضين في طهران، إلى اغتيال الخصوم في بيروت، وتجويع فلسطينيي مخيم اليرموك في دمشق؛ فإنّ مفردة "العروبة" هي التي تمتنع تماماً على الهضم: أحوثيّ، زيدي؛ وعروبيّ، قومجي؟

ثمّ أين ذهبت "هتافات الصرخة"، الحوثية التأسيسية الشهيرة دون سواها: "الموت لأمريكا!"، و"الموت لإسرائيل!"، و"اللعنة على اليهود!"، و"النصر للإسلام!"... وهل انطوت إلى غير رجعة؟ لعلّ هذا ما تشير إليه أجواء الصمت، ثمّ الحيرة والبلبلة، التي صارت تهيمن على أيّ سرادق عزاء تشهده منطقة صعدة، شمال اليمن، تأبيناً للحوثيين الذين يُقتلون في سورية، دفاعاً عن الأسد. وأمّا أولئك الذين استدعاهم عبد الملك الحوثي من ساحات القتال في سورية، من جبهات حوران والقصير والقلمون وبانياس، لحاجته إليهم في القتال داخل اليمن، بعد أن اخذت الكفّة العسكرية تميل لصالح خصومه من قبائل حاشد؛ فإنهم توقفوا عن ترديد أيّ هتاف، ورُبطت ألسنتهم عند اجترار السردية المكرورة الجوفاء: الدفاع عن المراقد الروحية الشيعية، في وجه "التكفيريين" و"السلفيين" و"الإرهابيين"!

وقبل أن تنقلب إلى حرب حقيقية بين الجيش اليمني النظامي، ورجال الميليشيات الحوثيين؛ وقبل أن يسقط في مختلف عملياتها قتلى وجرحى بالآلاف وعشرات الآلاف، ويتشرّد 50 ألف يمني معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وتتفكك 500 إلى 600 عائلة؛ قبل هذا كلّه كان ما يُعرف اليوم باسم "تمرّد الحوثيين" في منطقة صعدة قد بدأ في صيغة تحركات شعبية محلية بسيطة، لم تكن موجهة ضدّ السلطة أساساً. العكس كان هو الصحيح في الواقع، لأنّ الطاغية اليمني علي عبد الله صالح كان، منذ 1986، الداعم الأوّل لخلايا الحوثيين الأولى، التي بدأت على هيئة منتديات دراسية وتبشيرية بريئة المظهر. وكان التكتيك بسيطاً، بقدر ما هو مفضوح مألوف لدى هذا الطراز من الطغاة: داوِ سُنّة اليمن، جماعة الإخوان المسلمين و"حزب الإصلاح" تحديداً؛ بالتي قد تكون الداء، أي التيار الزيدي الشيعي.

غير أنّ الحوثيين لم يترعرعوا ويشتدّ عودهم في منطقة صعدة، بالذات، إلا لأنها منبوذة ومهملة ومنفلتة من قبضة الدولة المركزية؛ يقطنها 700 ألف نسمة، لا يخدمهم سوى مشفى واحد، ولا تتوفر لهم مياه الشرب النقية، والكهرباء نادرة، وأوضاع المدارس متردية، والخدمات الحكومية شبه منعدمة، والشائع الأكبر هو ثلاثي الأمية والبطالة والأوبئة. المفارقة تمثلت في أنّ الزيدية هي أقرب فِرَق الشيعة إلى السنّة كما يجمع الكثير من الدارسين، وتتصف عموماً بالاعتدال والابتعاد عن التطرف والغلوّ، ومؤسسها (زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، 695 ـ 740 م) كانت له آراء جريئة في الشريعة والمجتمع والسياسة والفلسفة، تختلف عن إجماع الفقه الشيعي العامّ.

كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ نظام الإمامة كان قد تأسس في صعدة تحديداً، سنة 893 م، على يد يحيى بن الحسين، واستمرّ حتى عام 1962 مع إقرار النظام الجمهوري؛ ولهذا فإنّ بعض جذور الصراع مع الحوثيين تضرب في فكرة إحياء الإمامة، على هذا النحو أو ذاك. صحيح، أخيراً، أنّ علاقة الحوثيين مع إيران كانت أقرب إلى التبعية، وقد سبق لهم أن رفعوا علم "حزب الله" بدل العلم اليمني. وفي جولات الصراع اللاحقة، بعد أن حُسمت المعركة لصالح الجيش النظامي سنة 2004، وقُتل فيها الزعيم الروحي والعسكري حسين بدر الدين الحوثي؛ أسوة بجولة القتال الراهنة، التي تتواصل بين كرّ وفرّ؛ كان الدعم الإيراني للحوثيين هو مصل الحياة وشوكة القتال، في آن.

ليس غريباً، إذاً، أن يتقاطر الحوثيون إلى سورية، للانخراط في صفوف مناصري الأسد؛ وليس عجيباً أن تتبدّل شعاراتهم وهتافاتهم، فتنقلب رأساً على عقب أحياناً؛ والمدهش الوحيد، وهو مدعاة حزن أيضاً، أنّ هذا التشبيح لصالح نظام استبداد وفساد وهمجية قصوى، لا يُفقد الحوثيين هوامش التعاطف الطبيعي مع مطالبهم الحقوقية والمعيشية، أو حتى تلك العقائدية، فحسب؛ بل ينسف ما تبقى من حقّ في مفهوم "المظلومية" ذاته: الآن وقد تشوّه المظلوم فصار ظالماً، قاتلاً ومرتزقاً، وشبيحاً!